استثمار أموال الضمان.. «مرحلة جديدة 2026»

لا أحب أن أبدو وكأنني أزاود على أحد.. ولكن موضوع «استثمار أموال الضمان الاجتماعي» يثار بين حين وآخر، وتحديدا في أمرين.. الأول مرتبط بالثاني، وهو (الأول): ما يراه البعض ارتفاع نسبة الاستثمار في السندات، و(الثاني): مدى الجدوى والأمان في ذلك التوجه، خصوصا وأن البعض يصرّ على تفسير ارتفاع تلك النسبة على أنها سيطرة حكومية أو محاباة أو حتى تدخلا في قرارات «صندوق استثمار الضمان» من قبل الحكومة، والحقيقة غير ذلك تماما، فالقرار استثماري بامتياز، وذو جدوى، ويحقق عائدا مضمونا للصندوق.

أسوق هذه المقدمة كي أعلّق على تصريحات رئيس مجلس استثمار أموال الضمان الاجتماعي عمر ملحس أمس الأول، خلال الاجتماع الذي عقد مع لجنة العمل والتنمية الاجتماعية والسكان النيابية، والذي قال فيه إن الصندوق يعيد النظر في التوزيع الاستراتيجي للموجودات، بما في ذلك التخفيض (التدريجي) لحصة محفظة السندات من إجمالي المحفظة لتصل إلى نحو 35?، على (مراحل) تمتد لعدة سنوات، وبما يضمن الحفاظ على استقرار المحفظة ومستويات السيولة والالتزامات القائمة.

الأهم في هذا التوضيح من قبل رئيس المجلس، تأكيده على أن هذا التوجه يستند إلى (توافر فرص استثمارية بديلة ومدروسة)، ذات مخاطر مقبولة وعوائد متوازنة، و«قادرة على تحقيق عوائد مجدية طويلة الأجل». هذا التأكيد مهم لأننا نعلم جيدا بأن «السندات» اليوم، تعد استثمارا مضمونا وتحقق العوائد الأكبر لصندوق استثمار أموال الضمان.

في الأرقام والمؤشرات التي تحدّث عنها -خلال اللقاء- كل من: وزير العمل/رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي خالد البكار، ورئيس مجلس استثمار أموال الضمان عمر ملحس، ورئيس صندوق استثمار أموال الضمان الدكتور عزالدين كناكريه، جميعها تؤكد أن «صندوق استثمار أموال الضمان» يمثل «قصة نجاح استثمارية» تدلل عليها الأرقام التالية:

1 - ارتفاع موجودات الصندوق منذ بداية 2025 بنحو 2.2 مليار دينار، لتصل إلى 18.4 مليار دينار كما في 30/11/2025، وبنسبة نمو 13.8?.

2 - أسباب هذه الأرقام تعود لنتائج المحافظ الاستثمارية وخصوصا ارتفاع القيمة السوقية لمحفظة الأسهم الاستراتيجية.

3 - هذا النمو نتيجة ارتفاع الدخل الشامل ليصل لنحو 2 مليار دينار، مقارنة بـ 875 مليون دينار للفترة ذاتها من العام السابق، وبنسبة نمو 134?.

4 - إضافة إلى الفائض التأميني المحوّل من «مؤسسة الضمان» والبالغ نحو 179 مليون دينار.

5 - الصندوق، سجّل صافي دخل من المحافظ الاستثمارية المختلفة بلغ 984 مليون دينار، وبنسبة نمو 19.8? مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.

من ناحية أخرى، من الواضح تماما أن «الصندوق» على أبواب مرحلة جديدة في العام المقبل 2026، وفي مقدمة عناوين تلك المرحلة:

أولا: متابعة نتائج الدراسة الاكتوارية الحادية عشرة -والتي أشارت إلى أن نقطة التعادل الأولى متوقعة في عام 2030 حيث تتساوى الإيرادات المباشرة من اشتراكات الضمان الاجتماعي من الأفراد والمنشآت مع النفقات التأمينية. ونقطة التعادل الثانية متوقعة في 2038 وفيها تصبح الإيرادات التأمينية والعوائد الاستثمارية السنوية غير كافية لتغطية النفقات التأمينية المطلوبة في حال عدم تحسن العائد على الاستثمار. إضافة إلى الحاجة الماسة لتعديلات تشريعية تعزّز الاستدامة المالية لتأمين الشيخوخة والتقاعد المبكر والعجز والوفاة على المدى الطويل، مشيرة -الدراسة- إلى أن (64?) من المتقاعدين هم تقاعد مبكر وبكلفة مالية تشكّل (61?) من إجمالي فاتورة الرواتب التقاعدية.. وهذه الحقائق (حذّر) منها بالأمس صندوق النقد الدولي، مشيرا إلى أن مدفوعات الرواتب التقاعدية في المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي «مرشّحة لتجاوز» قيمة إيرادات الاشتراكات، اعتبارا من ثلاثينيات القرن الحالي «في حال لم تنفّذ الحكومة إصلاحات تقاعدية جوهرية»، وأن استمرار هذا المسار قد يستدعي، بدءا من خمسينيات القرن الحالي، تمويلا من الموازنة العامة لتغطية عجز إيرادات الضمان، بما يرفع الاحتياجات التمويلية الكلية ويزيد مستويات الدَّين العام.

ثانيا: قانون الضمان الاجتماعي الجديد -والذي بدأ المجلس الاقتصادي والاجتماعي بإطلاق حوار وطني حوله انطلاقا من نتائج «الدراسة الاكتوارية/11» للضمان الاجتماعي، ولا شك أن «الاستثمار» يشكل لبنة أساسية بزيادة الموجودات تساهم بأن تكون نقاط التعادل متباعدة وأكثر أمانا واطمئنانا- بالإضافة إلى عوامل أخرى منها معالجة «التقاعد المبكر» و«التهرب من الاشتراك بالضمان الاجتماعي» وغير ذلك.

ثالثا: الاستثمار في المشاريع الكبرى -فمن الواضح أن صندوق استثمار الضمان، سيركز في المرحلة القادمة على توظيف السيولة المتاحة في استثمارات طويلة الأمد ضمن مستويات مخاطر مقبولة، وبما يحقق قيمة مضافة لمحفظة الصندوق وللاقتصاد الوطني، بمعنى أن الصندوق سيستثمر في المشاريع الكبرى المتاحة للاستثمار، كمشروع الناقل الوطني، إضافة لاستثمارات الصندوق بمشروع «عمرة» من خلال شراء أراض بأسعار تقل بنحو 30? عن قيمتها الإدارية، إلى جانب مشاريع أنبوب الغاز وغاز الريشة.. وغيرها.

*باختصار:

ندرك تماما بأن أموال الضمان في أمان، وأن استثمارات أموال الضمان في أمان، وأنّ ما يجري من حوار وطني ومراجعة لقانون الضمان، يؤكد مضي الحكومة قدما في خطط تنفيذ الإصلاحات اللازمة خلال العام 2026 للحفاظ على الاستدامة المالية طويلة الأجل لمؤسسة الضمان الاجتماعي.. إصلاحات تدعم الاستدامة المالية لنظام التقاعد، وتحافظ في الوقت نفسه على دور الضمان كمستثمر رئيسي في الاقتصاد الوطني.