الفقر أخطر من الإرهاب

الدكتور محمد الهواوشة يكتب:


في ظل الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالمنطقة، هناك من يحاول حرف البوصلة، وصرف الأنظار عن وجع الناس الحقيقي، ليركب موجة "العمل الإرهابي" ويجعل منه حديث الساعة. ولكن، دعونا لا ننسى، ولا نغفل، أن الفقر والبطالة وغلاء المعيشة هي القنابل الصامتة التي تنفجر يومياً في وجوه المواطنين!

نحن في واحدة من أغلى الدول العربية، والأسعار ترتفع بلا رحمة، والراتب لا يكاد يكفي أسبوعاً. في المقابل، لا نرى نمواً اقتصادياً حقيقياً، ولا فرص عمل تليق بشبابنا. آلاف الخريجين ينتظرون وظيفة، وعشرات الآلاف يرزحون تحت خط الفقر، فيما نسبة العنوسة تتفاقم يوماً بعد يوم نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتدهورة. هذه ليست أرقاما عابرة، بل أوجاع يومية تحاصر الأردني في بيته وشارعه ومستقبله.

الفقر يولد اليأس، واليأس يصنع الفراغ، والفراغ هو الأرض الخصبة لأي فكر متطرف أو عبثي. فهل نلوم الشاب الذي يشعر أن لا مستقبل له؟ أم نلوم السياسات التي أوصلته إلى هذا الحال؟

على الدولة أن تعي جيدا أن مكافحة الفقر والبطالة ورفع سوية المعيشة ليست قضايا ثانوية، بل هي أساس الأمن الوطني. عندما يشعر المواطن بالعدل والكرامة والفرصة، يقف مدافعا عن وطنه، شريكا في بنائه، وليس عبئا عليه.

نريد أن نرى خططا اقتصادية حقيقية، لا وعودا موسمية. نريد أن تُعاد هيكلة الأولويات، ليكون الإنسان الأردني أولًا، كرامته، صحته، تعليمه، وسكنه. فبغير ذلك، سيبقى الحديث عن مكافحة الإرهاب مجرد صوت في فراغ، لأن الجوع أخطر من الرصاصة، والبطالة أقسى من الحرب.

دعونا نواجه الحقيقة بشجاعة: إن لم نحارب الفقر، فهو سيحاربنا. وإن لم نستثمر في الإنسان، فلا أمن ولا استقرار سيدوم. كلنا مسؤولون، ولكن المسؤولية الأولى تقع على من بيدهم القرار.