العمل عن بُعد في الأردن .. واقع أم وهم؟

 بين من يراه ميزة عصرية تعزز التوازن بين الحياة والعمل، ومن يعتبره رفاهية لا تليق بسوق عمل تقليدي، يثير العمل عن بُعد جدلًا واسعًا في الأردن. فهل يمثل هذا النمط تحولًا حقيقيًا في ثقافة العمل؟ أم أنه مجرد استثناء فرضته الظروف وتلاشى مع الوقت؟

رصدت  بعض حالات العمل عن بُعد؛ حيث أفادت شهد، التي تعمل في التسويق الرقمي، بأنها كانت تعمل في إحدى الشركات في عمّان وتقضي أكثر من ساعة يوميًا في المواصلات، وعندما تحول عملها إلى نظام العمل عن بُعد أصبحت أكثر إنتاجية.

وتوافقها دانية الرأي، إذ أكدت  أن هذا النظام نظم وقتها وفتح أمامها المجال للعمل مع شركات خارج الأردن، مما جعل من العمل من المنزل نقلة نوعية في مسيرتها المهنية.

أما خالد، الذي يعمل مبرمجًا، فأوضح خلال حديثه أنه عمل مع شركة خارج الأردن وعدته براتب جيد ومزايا مغرية، لكن بعد مرور ثلاثة أشهر لم يتسلم أي راتب، وبدأ التواصل معهم يصعب شيئًا فشيئًا، إلى أن اكتشف أن الشركة غير مرخصة ولا يمكن ملاحقتها قانونيًا.

وفي حالة مروة، وهي أم عاملة في مجال كتابة المحتوى ولديها ثلاثة أطفال، فقد منحتها تجربة العمل عن بُعد المرونة التي تحتاجها، إلا أنها واجهت مشكلة في عدم انتظام الدخل؛ حيث كان بعض العملاء يتأخرون في الدفع لأشهر، وآخرون لا يردّون بعد استلام العمل، وفق قولها، مما جعلها أكثر حذرًا، فبدأت تطلب جزءًا من المبلغ كمقدّم قبل بدء العمل.

الخبير في سوق العمل أحمد عوض قال إن العمل عن بُعد بدأ يأخذ في السنوات الأخيرة حيزًا متزايدًا في المشهد الاقتصادي الأردني، حيث تبنّت العديد من مؤسسات القطاع الخاص هذا النمط من العمل، خاصة تلك التي تسمح طبيعة أعمالها بذلك. وبالنسبة لهذه المؤسسات، لم يكن العمل المرن جديدًا، بل كان معمولًا به بشكل أو بآخر، وجاء النظام الجديد فقط لتنظيمه وتحديد أشكاله. إلا أن تطبيق هذا النظام لا يزال مشروطًا بموافقة صاحب العمل، مما يعني أن الواقع لم يتغير كثيرًا بالنسبة للغالبية، وهو ما دفعنا إلى المطالبة بمنح العامل نفسه الحق في اختيار العمل المرن إذا لم تتطلب مهامه الحضور إلى موقع العمل.

وأضاف أنه مع التقدم التكنولوجي المتسارع، يُتوقع أن يصبح العمل في المستقبل أكثر مرونة، مدفوعًا بالتطورات الرقمية التي تعيد تشكيل طبيعة الوظائف. إلا أن التحدي الأبرز الذي يواجه الحكومة هو كيفية ضمان شمول العاملين في هذه الوظائف الجديدة بالحمايات الاجتماعية الأساسية، وعلى رأسها الضمان الاجتماعي، فالنموذج الحالي لا يتيح شمول العاملين بنماذج العمل المرن بهذه الحمايات.

وأكد أنه، ورغم عدم وجود دراسات محلية تقيس أثر العمل عن بُعد على الإنتاجية في الأردن، فإن نتائج من دول أخرى تشير إلى أن هذا النمط من العمل قد يعزز من الإنتاجية، لا سيما في الوظائف التي تعتمد على أداء مهام محددة وقابلة للقياس. ومع ذلك، تظل هناك فئات من الأعمال لا يمكن تنفيذها إلا من موقع العمل.

ولفت عوض إلى أن تطبيق العمل المرن يواجه تحديات عديدة، أبرزها ضعف الأنظمة الإدارية وآليات المتابعة في غالبية منشآت الأعمال، والتي تُعد صغيرة ومتوسطة الحجم بنسبة تزيد عن 95%. كما أن غياب السياسات الداخلية التي تنظم العمل يفاقم من تعقيد تطبيق النظم المرنة. من جهة أخرى، يشكل شرط موافقة صاحب العمل على تطبيق العمل المرن عائقًا في المهن التي لا تستلزم التواجد الفعلي في موقع العمل. يُضاف إلى ذلك ضعف الثقافة المتعلقة بالمسؤولية المهنية لدى بعض العاملين.

واختتم قائلًا إن العمل المرن، رغم هذه التحديات، يحمل إمكانيات كبيرة في المساهمة بتقليص البطالة، خاصة بين الشباب والنساء، شريطة توفر المهارات التقنية والقدرة على العمل المستقل. كما أنه يُعد أداة واعدة لتقليص الفجوة الجغرافية بين العاصمة والمحافظات، في ظل تركز معظم مؤسسات القطاع الخاص في عمّان وعدد محدود من المدن الكبرى، مما يمنح فرصًا أكبر للباحثين عن عمل في المناطق الطرفية.

من جانبه، أكد مستشار الموارد البشرية نضال الشلبي أن أغلب الشركات الأردنية تنظر إلى فكرة العمل عن بُعد على أنها غير مجدية، وبالنسبة لها يجب على الموظف الحضور للعمل بشكل شخصي.

وعن القطاعات التي يمكن أن تنجح فعليًا في تطبيق هذا النمط، قال إن قطاعات الخدمات التسويقية، والاستشارية، والتدريب، والبورصة والتداول، ومكاتب السياحة، يمكن لها النجاح.

أما بما يتعلق بارتفاع مستوى جودة العمل وكمية الإنتاج وارتفاع الحافزية والمعنوية واستقطاب عملاء جدد وتحقيق أهداف الوظيفة وسرعة العمل والتفكير خارج الصندوق والمبادرة والتميز، أوضح الشلبي

أن كل هذه مؤشرات، إذا تحققت، فسترفع كفاءة العمل عن بُعد.

واختتم بأن أبرز التحديات التي تواجه العمل عن بُعد هي التخوف من ضعف جودة العمل، وعدم التزام الموظفين بالإنجاز دون مراقبة ذاتية مباشرة، وتسريب السرية والخصوصية إلى خارج محيط العمل، وأخيرًا الرقابة على سلوك الموظفين.