نعيش في زمان تتزاحم فيه الأقدام على أبواب المناصب بشتى أنواعها، وكل له غايته وبغيته.
أنا هنا لن أمارس دور الراهب المتبتل الذي يلقي المواعظ؛ ولكني أعلم يقينا أننا بحاجة دوما في مؤسساتنا العامة والخاصة على حد سواء إلى قيادات نموذجية كالتي قرأنا عنها في الزمن الغابر. وتاريخنا الإسلامي يزخر بالنماذج القيادية التي تعد مواصفاتها اليوم فى الشرق والغرب أحد أشهر نماذج القيادة على مستوى العالم. او مايعرف اصطلاحا «نظام القيادة عن طريق القدوة».
هذا النظام القيادى طبق بنجاح فى كثير من المؤسسات والشركات والجامعات الغربية كما واستخدمته القوات المسلحة البريطانية فى تدريباتها.
لا أظن أحدا يجادل في ان غياب الإدارة الجيدة والحكيمة والعلمية هى أحد اهم أسباب تخلف المؤسسات الحكومية أو الخاصة عن ركب العالمية والتطور.
إن أهم مسؤوليات القائد تكمن في ثلاثة: إتمام المهمة، ثم تكوين فريق العمل والحفاظ عليه، وأخيرا تنمية الفرد.
للأسف اكثر الشباب اليوم قد يتخرج من الجامعة وهو لا يعرف كيف يدير نفسه فضلا عن إدارته وقيادته للآخرين، وإن حصل وتولى مسؤولية إدارية حقيقة فستجده يستعمل النظرية البائسة المعروفة بـ«التجربة والخطأ».
«جون آدير» - الذى أسس شركة آدير العالمية لبرامج نظام القيادة عن طريق القدوة، وألف ما يزيد على 40 كتابا ترجمت إلى عدة لغات - يضع سمات القائد الناجح فى عبارات قصيرة: «المبادرة، المثابرة، الكفاءة، الأمانة، الثقة بالنفس، الجرأة، التواضع، وأكد على أن يسأل القائد نفسه سؤالا صريحا: كم امتلك من هذه السمات؟ وكيف أحصل السمات التى لا امتلكها، وأحسن تلك التى أمتلكها؟
ويقرر جون حقيقة مهمة وهى: «القيادة سلوك وليس منصبا».
وهو عين ما قرره علماء الإسلام الأوائل حين نصوا على أن «القيادة تكليف لا تشريف، ومسئولية وليست مغنما».
التعليم المستمر للقائد والمدير قضية لا ينبغي أن يغفلها أحد وجد نفسه متربعا على كرسي القيادة! فعليه أن يقوم وبانتظام بتطوير مهاراته وقيمه وأولوياته وأن يحدد أهدافه، ويقيس النجاح الذى حققه فى سبيل تحقيق هذه الأهداف. وعليه أن يكون مستعدا لمراجعة الأهداف نفسها ليعرف مدى إمكانية استمراره فى تحقيقها.
ما أبرع القائد الذي يردد أمام مرؤوسيه عبارات تؤكد أمامهم على ما يتم السعي لتحقيقه هو مهمة الجميع والفريق كله يتقاسم هذه المهمة.
وحذار حذار من استخدام لغة خاطئة، أو محاولة تجاهل القادة الأقل شأنا، أو الاعتماد على الغير فى القيام بذلك نيابة عنه.
إن الفشل في التخطيط هو مقدمة الفشل، وتحديد مهام أعضاء الفريق خطوة مهمة في طريق النجاح، وتحديد المهمة ووقت الإنجاز لها يمثل تحدياً قابلا للتقييم.
تعلمت شخصيا من مديري المباشر ضرورة الحديث بطريقة تدفع الفريق للعمل اللازم، وضرورة أن أسيطر على العمل ولا استجيب للمشتتات أو أن اسمح لها أن تفقدني اتجاهي، وأنه وفي الوقت الذي أقوم به بتقييم نتائج العمل وأداء الفريق من حولي فلن انسى الثناء عليهم وتدريبهم فى نفس الوقت.
نعم .. فقد تعلمت من معاليه أن من أهم مسئوليات القائد الناجح «الدعم»! وذكرتني طريقته بشعار المعهد البريطانى للإدارة «القيادة هى الخدمة»!.
من الضرورة بمكان أن يكون القائد قدوة .. فحامل المصباح في الظلام هو من يتقدم المجموعة.
لكني اقولها وبكل إصرار .. لا أخشى شيئا على قائد ملهم كخشيتي من أن ينصت للنماذج السيئة التى تحدث جلبة وضجيجا دون طحن !
ولا غرابة في أن القائد يتحمل عبء الفشل الكامل للمهمة وحده دون غيره، ومن نسي فإنني أذكره بكلمة وولف الأول بعد فشله فى الهجوم على كيبك «أنا أتحمل المسئولية كاملة».