الشائعة في حقيقتها خبر مدسوس كليـا أو جزئيــا، وهي ليست حكرا على جهة بعينها فقد يستعملها فرد أو جماعة أو مؤسسة أو حتى دولة.
ولا يكاد يسلم من سهامها أحد ! فحتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ماسلم منها حتى أنهم أشاعوا عن زوجه عائشة الزنا ! وتناقلتها الألسن حتى أنزل الله براءتها من فوق سبع سماوات.
في موسوعة علم النفس جاء في تعريف الإشاعة أنها: "عبارة عن خبر أو قصة أو حدث، يتناقله الناس بدون تمحيص أو تحقق من صحته، وغالبا ما يكون مبالغاً فيه بالتهويل غير الصحيح”.
وبذلك فالإشاعة، كما يقول العميد مهدي علي دومان تمثل: "ضغطاً اجتماعياً مجهول المصدر، يُحيطه الغموض والإبهام، وتحظى من قطاعات عريضة أو أفراد عديدين بالإهتمام.. ويتداول الناس الإشاعة لا بهدف نقل المعلومات، بل بهدف التحريض والإثارة وبلبلة الأفكار”.
فهي في المحصلة خبر مُختلق مُفتعل مُلفق، يُراد له الإنتشار والسريان، لا يستند لا إلى مصدر معروف مؤكد، ولا إلى أصل معلوم مدقق، ولا إلى دليل أو برهان على صحته وصدقه. أي أنه مجردٌ عن أي قيمة يقينية.
وكما ذكرنا آنفا فوسيلة نقلها في العادة تكون شفهيـة أو ربما عن طريق ما يعرف اليوم بوسائل التواصل الاجتماعي دون أن يرافقـها أي دليـل أو برهان، والقصد منها غالبا تحطيم المعنويات.
وأذكر جيدا مقولة الأمير شكيب أرسلان حين قال:" إذا أردت أن تقتـل إنسانا، فلا تطلـق عليه رصاصة، بـل أطلق عليه إشاعة".
فأصحاب الإشاعة بخبث منقطع النظير يهدفون إلى زلزلة سكينة النفس، والعبث باستقرار الفؤاد وطمأنينته، أملا منهم في إلحاق الهزيمة المعنوية، وشعورا بالألم و الحزن للمستهدفين بها.
هكذا هم الأصاغر - جمع صغير - في حروبهم يفتقرون إلى الشرف، فيعمدون وبكل وضاعة إلى حرب نفسية من خلال الإشاعة مستغلين سرعة انتشارها، ومقدرتها الشديدة في العبث بعقول الناس وعواطفهم ليشكلوا ويصيغوا من خلالها رأيا عاما يحققون من خلاله تفكيك الجبهة الداخلية لخصومهم وإثارة البلبلة بينهم.
لاتستهينوا بالإشاعة فهي جزء من تكتيك حربي معروف، فتكون البداية بالتشكيك والتيئيس وزعزعة تماسك الصف، كمقدمة للهزائم الميدانية، لذا كانت الإشاعة أو لنقل حرب الإشاعة لعبة تتقنها المخابرات العالمية لتقويض عروش خصومهم.
ولا تستغرب إن قلت لك - عزيزي القاريء- أن الولايات المتحدة الأمريكية، قامت باستحداث عيادات الإشاعة، لتحليلها ومعرفة المصدر والنوع، والأسلوب الناجح في الرد.
ولعل من أشهر أنواع الإشاعة ما يعرف ب«الإشاعة الهدامة أو إشاعة دق الأسافين».
أسافين الكبار وأسافين الصغار عادة ماتكون من هذا النوع، لكن هذا الصنيع قد كان يتم السكوت عنه أزمنة الرخاء، بعكس اليوم الذي أصبح فيه هذا الفعل يشكل ضربة قاضية في حق الأمن الوطني.
إزاء هذا الكم الهائل من الكذب وإثارة الشائعات قد يقترح أحدهم - ساخراً - تأسيس مجلس مختص لتنظيم الشائعات وخفض حجم المخاطر.
وإذا لم يكن يقبع خلف الإشاعة مصدر منظم كدوائر أو هيئات تنظم آلية الإطلاق زمانا ومكانا فسيكون حينها المصدر مجرد دوافع نفسية عاطفية تتلخص في العداء تجاه البلد أو الجماعة أو الشخص المستهدَف بالإشاعة. وهذا العداء يكون ناتجا عن عدة عوامل كالكراهية، والحقد، والحسد.. إلخ
ولا عجب، "فالحقد يسند أقاصيص الإتهام والإفتراء”.
وبدلا عن التعبير عن مشاعر الكره للطرف الآخر بشكل مباشر يعمد إلى إطلاق توتراته الانفعالية الداخلية بأساليب رخيصة. أملا منه في تهدئتها، وتحقيق التفريج عن كبته ومرضه وأسقامه، لذا فهو يبحث عن كبش أو أكباش فداء، لتفريغ ما يُضمره في نفسه، عله يحقق بذلك ارتياحه النفسي المرضي، ويُنفس عن مخزوناته الشاذة غير السوية.
وأحيانا يكون الدافع لهذا المريض هو "الإسقاط" للشخص المستهدف ليس إلا !
وكلما ازدادت الكراهية عمقا تجاه هذا المستهدف بالإشاعة كلما اتسعت جبهة الإشاعة لتشمل دوافعه، وحياته، وأسراره، ونواياه، وتـَمَيُّزه، ونجاحه..
لتبدأ بذلك آلة التحطيم والتشهير والتبخيس. والأخبار السيئة لها أجنحة، كما يقال.
ختاما .. والحديث كما يقال ذو شجون .. فإن لم يكن لمروج الإشاعة من ذنب إلا أنه بصنيعه الرخيص قد قام بتفتيت الصف الواحد للمجتمع لكفاه.
كيف وهو بفعله الخبيث قد جعل الناس بين مُصدق ومُكذب، ومُتردد ومُتبلبل.
بلبلة وبعثرة تقلق الآمنين والأبرياء، وتهدم الوشائج، والعلاقات، والصداقات، وقد تتسبب في ارتكاب الجرائم. وكم من إشاعات أخرت سير أمم؟!
أي مجتمع هذا الذي تنتشر فيه الإشاعة لتفسد أجواءه، وتخنق أنفاسه، وكم من كلمة خرجت كالسيف البتار.. نسجها خيال وقلب مريض ففككت أسرا بأكملها، وكمْ من كلمة خبيثة خرجت من منبت خبيث، قطعت علاقات وطيدة، وهدمت جسورا اجتماعية.. ذلك لأن الإشاعات أصبحت جسرا، يتخذه ذوو العقول المنحرفة للوصول إلى أهدافهم ومآربهم.. ومنطلقاً لبث ما تحويه نفوسهم الخبيثة من قول مغلوط، ليصبح سوق الإشاعات رائجاً بالتجارة الفاسدة، ويعج بالتجار ذوي النفوس المريضة، الذين يصطادون في الماء العكر، أو بالأصح يُعكّرون المياه للإصطياد فيها.