د. أشرف الراعي
مع التطور التقني الذي نشهده اليوم، وانتشار المنصات الرقمية (Digital Platforms) وأنظمة الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، أصبح العالم الافتراضي هو العالم المسيطر على حياتنا البشرية، بل وأصبح جزء كبير منه يحاكي تصرفاتنا وأفكارنا وعواطفنا، وهو أمر وإن كان له الكثير من الإيجابيات إلا أن له العديد من السلبيات أيضاً، أبرزها "التحرش الإلكتروني"؛ الذي يأتي نتيجة الصراع على إشباع الحاجات اللامتناهية، في مختلف المجتمعات من قبل ضعاف النفوس، وله العديد من العوامل، لكن ما يهمنا هنا تناول هذه المشكلة من الناحية القانونية.
جاءت النصوص القانونية في قانون العقوبات الأردني فعلاً مجرمة للعديد من الأفعال التي تشكل اعتداء على حرمة الجسد؛ فجرم القانون هتك العرض وجرم الاغتصاب وجرم خرق حرمة الحياة الخاصة وجرم العديد من الأفعال التي تعد انتهاكاً لخصوصية الإنسان وحرمة جسده وضرورة عدم إيذائه لفظأ أو فعلاً ..
وقد شهدت وتشهد ساحات المحاكم يومياً قضايا من هذا النوع، لكن السؤال الذي يثور هل تنطبق هذه الأفعال على الواقع الإلكتروني، وهل تشكل المنصات الرقمية ساحة لمثل هذه الجرائم، خصوصاً وأن لا فعل مادياً ملموساً فيها؟
إن الصعوبات التي تثور إزاء ذلك هو أن شبكة الإنترنت أسهمت بتناقل المعلومات وجعلت العالم بمثابة قرية صغيرة نتيجة مخرجات العولمة (Globalization) يُمكن من خلالها التنقل بسهولة ومعرفة الكثير من المعلومات حول الأشخاص، وطريقة معيشتهم وحياتهم الخاصة وأماكن سكناهم وعائلاتهم، وبالتالي خلق تصور حولهم ومحاولة الاقتراب منهم والحصول منهم على مقاطع صور أو فيديوهات أو بناء علاقات معينة، وفي الواقع أنه في حال رضا الطرفين فلا نكون بصدد فعل مجرم، لأن الرضاء واقع إلا في حالة التقدم بشكوى في بعض القضايا، وهو موضوع بحثي كبير لا مجال للخوض بتفاصيله.
ولكن يمكن القول أنه وباستقراء نصوص قانون الجرائم الإلكترونية الأردني، وغيره من النصوص المقارنة، وبالعودة إلى أحكام محكمة الجنايات الكبرى ومحكمة التمييز الأردنية التي أيدتها نجد أن الاستطالة الإلكترونية إلى عورة المجني عليه تمثل فعل جريمة هتك عرض مكتملة الأركان، ما يعني أنه وبالقياس فإن التحرش الإلكتروني يعد بمثابة جريمة تحرش مكتملة الأركان أيضاً، لكن ذلك لا يؤخذ على إطلاقه فلا بد من وجود فعل مجرم في الكتابة أو التصوير أو استخدام الألفاظ الخادشة للحياء، وهو ما كنت قد عرضت له في مقال سابق.
وليس هذا فحسب بل جاء في قانون الجرائم الإلكترونية بصريح النص في المادة 15 منه على أن "كل من ارتكب أي جريمة معاقب عليها بموجب أي تشريع نافذ باستخدام الشبكة المعلوماتية أو أي نظام معلومات أو موقع إلكرتوني أو اشترك أو تدخل أو حرض على ارتكابها، يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في ذلك التشريع"، ما يعني أن عقوبة الفعل المرتكب في العالم الواقعي هي ذاتها في العالم الإلكتروني.
لكن المعضلة تثور كما أشرنا إلى أن الأفعال في العالم الإلكتروني مختلفة لذلك لا بد من أن يكون الفعل المرتكب مكوناً للسلوك المجرم؛ بما يحقق الركن المادي للجرم بدون شك، مع توافر الركن المعنوي الذي يعني أن تتجه نية الفاعل إلى ارتكاب الفعل المجرم وتحقق النتيجة الجرمية، وهو أمر توضحه الحقائق أمام القضاء ولا يمكن التثبت من صحته إلا أمام القاضي الجزائي الذي لا يحكم إلا بما أمامه من دلائل وليس بعلمه الشخصي.