هل نحن مقبلون على موجة جديدة من التضخم؟ وهل يكبح قيام البنوك المركزية العالمية المحتمل برفع أسعار الفائدة جماح التضخم؟ ما أثر التوترات الجيوسياسية على أسعار المستهلكين؟ وهل نحن فعلا أمام ارتفاع أسعار مؤقت أم طويل الأمد؟ .. أسئلة كثيرة تشغل بال الاقتصاديين بعد الارتفاعات القياسية للتضخم في الدول الصناعية الكبرى وخصوصا الولايات المتحدة التي تعاني من أعلى معدل في 40 عاما يعادل 7.5 %. قبل الإجابة على هذه التساؤلات، علينا تحديد أسباب التضخم ونوعه ولماذا حصل الارتفاع المفرط في الأسعار اليوم، فهناك في عالم الاقتصاد تضخم أصيل أو أساسي وهناك تضخم زاحف أو مكبوت أو مفرط، والأخير أكثر خطورة لأنه يظهر جليا في ضعف القدرة الشرائية للعملة مقارنة مع مستويات الأسعار المرتفعة، وهذا يؤشر على أن العملة المتداولة مقبلة إما على أزمة أو معرضة للانهيار. العالم اليوم استفاق على واقع جديد بعد اغلاقات كورونا يتمثل في تعطل الإنتاج وتعثر سلاسل الامداد وارتفاع تكاليف المنتجين واضطرابات في سوق الشحن ، ما أدى الى نقص في السلع والخدمات ، وزادت التوترات الجيوسياسية في شرق أوروبا وبعض مناطق الشرق الأوسط الطين بله ، فأصبحنا أمام واقع أسعار مرتفع جديد ربما يكون تضخما مؤقتا أو زاحفا أو مفرطا ومزمنا إذا لم نفلح في معالجة أسبابه، والأزمة هنا صعبة وليس بمقدور كل الدول التعامل مع تحديات ارتفاع أسعار المستهلكين ، وأكثر الدول التي ستتألم بنار ارتفاع التضخم هي الدول الفقيرة والنامية التي تعاني من اختلالات بنيوية في الهياكل الإنتاجية لاقتصاداتها . البنوك المركزية عادة ما تقوم بمواجهة غول التضخم بتخفيف إجراءات التحفيز وتشديد السياسة النقدية برفع أسعار الفائدة، لكن هذا الاجراء قد لا يبدو ناجعا ، لأنه لا يؤدي في بعض الاحيان الى خفض مستوى التضخم وقد يلحق ضررا بالغا في الاقتصاد ويعطل دورة الاستثمار ويضرب حركة أسواق المال والعملات ، كما يؤدي الى زيادة الأعباء على الدول التي تعاني من عبء الديون المرتفعة بارتفاع تكلفة تمويل الإنفاق وزيادة تكلفة خدمة الدين. المستهلكون عادة في ظل التضخم أو التوترات الجيوسياسية يتحفظون في الانفاق لأن فواتير مشترياتهم زادت مقابل مستويات دخل وأجور منخفضة، وعادة ما يتجهون الى الأصول الآمنة مثل الذهب والأصول العقارية الثابتة خوفا من فقدان القيمة الشرائية لمدخراتهم، وفي هذا الاجراء المتحفظ ضرر على الاقتصاد الكلي. ما يحدث حاليا في العالم هو تضخم مؤقت نتيجة تداعيات الجائحة، لكنه يمكن أن يتحول الى طويل الأمد في حال زادت حدة التصعيد العسكري الغربي - الروسي على الساحة الأوكرانية ، وهناك خطر أن تقفز أسعار النفط والغاز والمعادن والأغذية وكل شيء بدون مبالغة ، والاحتمال الأسوأ أن يخرج التضخم عن السيطرة. برأيي هناك 3 عوامل يمكن أن تعيد التضخم الى مساره الطبيعي وهي انحسار الموجات السريعة للوباء وتأثيرها على الطلب، وتراجع التوترات السياسية المؤثرة في أسعار السلع والخدمات ومعالجة اضطرابات سلاسل التوريد والانتاج. الخلاصة: على صانعي السياسات النقدية تحديد اتجاهاتهم بدقة لمعرفة العوامل المؤثرة في التضخم هل هي عوامل آنية أم طويلة الأمد، وأي إجراء غير مدروس يفقد التعافي الحاصل في الاقتصاد بريقه.