جردة حساب!

الجامعة الأردنية - قسم الاقتصاد

 

ببطء وبالتدريج يتجاوز الاقتصاد الأردني التبعات العميقة لأزمة كورونا، فالمؤشرات الكلية للاقتصاد الأردني تشير لتحقيقه معدل نمو اقتصادي حقيقيا يقارب 1.8 % للنصف الأول من العام 2021، بعد انكماش بلغت قيمته 1.6 % في العام 2020 كنتيجة لأزمة جائحة كورونا الخانقة التي مر بها العالم. نقول إن الاقتصاد تجاوز الأصعب لكنه لم يتعافَ بعد، وبجردة سريعة للمؤشرات الكلية للعام 2021، سنرى بأننا أبعد ما نكون عن "التعافي”، فعجز الموزانة بعد المنح للعام 2021 قد بلغ -2.9 % كنسبة من الناتج (حتى شهر تموز/يوليو)، وعجز الحساب التجاري -15.3 % كنسبة من الناتج في النصف الأول من العام 2021، وإجمالي الدين العام 34 مليارا (حتى شهر تموز/يوليو). وبلغ معدل البطالة بين الشباب في الفئة العمرية 15-24 سنة ما يقارب 50 % (44.9 % للذكور مقابل 63.5 % للإناث).
هذه الأرقام المفزعة للبطالة في الأردن والتي تعني أن نصف الشباب متعطل هي الأعلى في المنطقة، وأساسها أن الاقتصاد الأردني هو اقتصاد خدمي يعتمد بالأساس على الخدمات بما يقارب 65 % من النتاج المحلي الإجمالي، وقد تلقى هذا القطاع ضربة قاسية إبان أزمة كورونا من خلال الإغلاقات التي حدثت والتعطل الذي كان؛ وحيث إن ما يقارب 70 % من القوى العاملة في الأردن تعمل في قطاع الخدمات، حسب البنك الدولي، فقد انعكس ذلك على زيادة معدلات البطالة وارتفاعها، هذا إضافة لعدم قدرة الاقتصادي الأردني على خلق المزيد من فرص العمل بنسب النمو الاقتصادي المتواضعة (2 %) نتيجة لأسباب عديدة، أهمها تراجع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر المتدفق إلى الأردن في النصف الأول من العام الحالي بنسبة 55 %، حسب البنك المركزي.
بحسب تقرير البنك الدولي مؤخراً، فقد أسهمت الخدمات والصناعة في تعافي النمو الاقتصادي خلال النصف الأول من العام 2021، إلا أن العديد من القطاعات الفرعية لم تصل إلى أدائها المعهود قبل وقوع الجائحة؛ حيث كان النمو في قطاع الخدمات معتمداً على التمويل والتأمين، فضلاً عن قطاعات الخدمات الحكومية، حيث أسهم كل منهما بنحو 60 و25 في المائة من نمو الخدمات، على التوالي، كما يشير التقرير الى نمو القطاع الصناعي معتمداً على التعدين والمحاجر وصناعة الألبسة والصناعات الكيميائية. وقد انعكس ذلك إيجاباً على قيمة الصادرات الوطنية خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2021 بنسبة 15.8 % مقارنة بالفترة نفسها من العام 2020.
بالنسبة للسياسة المالية، فقد تحسنت الإيرادات نتيجة لتحسن التحصيلات الضريبية (ليس سببا اقتصاديا مباشرا) طبعا هذه الزيادة في الإيرادات لم تنعكس إيجاياً لتقلل العجز في الموازنة لأنه قابلها زيادة في الإنفاق الكلي، وخاصة الجاري منها، ورافق ذلك انخفاض كبير بالإنفاق الرأسمالي المحرك الأساسي للاقتصاد. أما بالنسبة للسياسة النقدية التي انتهجها البنك المركزي خلال العامين 2021 و2020، فقد ساعدت على تقليل أثر كورونا وحافظت على الاستقرار الكلي في الاقتصاد، حيث اتخذ البنك المركزي مجموعة إجراءات بهدف دعم السيولة كتخفيض أسعار الفائدة على أدوات السياسة النقدية، وتخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي على الودائع، وعمل اتفاقيات إعادة شراء (Repo)، إضافة الى تخفيض كلف تمويل ودعم القطاعات الاقتصادية التنموية ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.
لا يوجد عنوان اقتصادي للحكومة، فلا استراتيجية اقتصادية زمنية لضبط الإنفاق ولا زيادة الصادرات ولا تحسين للإيرادات أو تخفيض للدين العام أو لإدارة المنح والمساعدات، وليس لدينا رؤية واضحة منهجية لزيادة معدلات النمو الاقتصادية. ما نأمله في العام 2022 هو ضبط النفقات الجارية، ودعم الصادرات الوطنية، ومراجعة التشريعات الناظمة للاستثمار، وزيادة الإنفاق الاستثماري من خلال مجموعة من المشاريع العملاقة يضمن الحد الأدنى من الإنفاق اللازم لدفع عجلة الاقتصاد الأردني.

صحيفة الغد