فيصل تايه
لم تعُدْ مفاهيم ، مثل "الإنسانية" و"العالم" و"البشرية" مفاهيم مجردة ، ولم ينفصل التفكير في مصير الإنسانية في زمن الوباء عن القلق على الناس كبيرهم وصغيرهم ، فالعدوى من هذا المرض غير انتقائية ، قد تصيب اي إنسان ، وإصابة أي إنسان بها تهمّ عموم الناس ، فقد طمست العدوى وإجراءات مواجهتها الفصل بين المجال الخاص والعام ، وأدى ذلك إلى تهميش نشاطات أخرى مهمة تخص حياتنا في مختلف جوانبها ، واصبحنا نترقب القادم بحذر وتوجس ، لعل الله يقينا شر الوباء والبلاء .
اننا وفي هذا الزمان ، زمان كورونا ، فقد التقى الوباء مع العولمة ، "فتعولم" الناس ببساطة ، ولم تعُدْ حالة الطوارئ محلية ولم تقتصر على بلد معين ، بل اصبحت القرارات الحكومية لاي دولة مرتبطة بالحالة العالمية العامة مع أن الدول هي التي تعلنها ، حين يسود استنفار عالمي ، ويتلازم معه شعورٌ فرديٌّ بالخطر ، فالناس جميعًا موضوع هذا الخوف ذاته ، فهم مُعرَّضون لخطر العدوى دون استثناء ، وما يجري من إجراءاتٍ في مواجهة الوباء ينعكس عليهم وعلى مختلف تفاصيل حياتهم ، حيث يشعرون بأن "الفيروس" يستهدفهم شخصيًّا ، فهم ليسوا متلقين ، بل يسهمون مباشرة في تشكيل حالة الخوف والهلع من جهة ، والترقب والأمل من جهة أخرى، ويسهمون في الحيرة بشأن كيفية التعامل مع حياتهم اليومية بتفاصيلها المقلقة .
أما هنا في الأردن فنحن جزء من هذه المنظومة الكونية ، وان احد أهم الأمور الهامة خلال جائحة فيروس كورونا ، والتي اكتسبت معنى جديد ، وأظهرت مخاوف الاهالي ، ما هو متعلق بموضوع استمرارية دوام المدارس ، ذلك ما استحوذ على اهتمامات المسؤولين في الدولة وخاصة لدى متخذ القرار في وزارة التربية والتعليم ، فالمهم وضمن ما نواجهه من تحديات متعلقة بالعدوى من الوباء ، اذ يجب على المدارس الموازنة بين الاحتياجات التعليمية والاجتماعية والعاطفية للطلاب ، إلى جانب مراعاة الحفاظ على صحتهم وسلامة العاملين ، لكننا وضمن هذه الظروف وما تبعها من تجاذبات مقلقة ، وخاصة ونحن مقبلون على فصل الشتاء وتحديداً "المربعنية" ، فأبناؤنا معرضون للإنفلونزا الموسمية ، وكنا نحاول باستمرار تحصينهم باللقاح الخاص بهذا النوع من الإنفلونزا من خلال الدعوات المتكررة غير الملزمة لذلك ، لكننا اليوم أمام أعراض مشابهه ، فالانفلونزا الموسمية و"كوفيد ١٩" لهما أعراض ومؤشرات متشابهة ، لكن لقاح الإنفلونزا الموسمية لا يفيد في "كوفيد ١٩" ، إلا أنه يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بالإنفلونزا الموسمية ومضاعفاتها ، وبذلك فقد كان وسيلة مساندة لتقليل تغيب الطلبة عن المدرسة بسبب المرض ، أما الان ومع توفر اللقاح الخاص "بكوفيد ١٩" ومع ضرورة ان يواكب ابناءنا لجميع اللقاحات الموصى بها ، حيث أصبح لقاء "كوفيد ١٩" موصى به عالمياً ، لذلك ومن وجهة نظر "طبية" بات من الضرورة بمكان أن يتلقى جميع الأطفال في العُمْر المدرسي اللقاحات الضرورية ، واصبح لقاح "كوفيد ١٩" إلى جانب الإنفلونزا الموسمية ضروري بشكل خاص وفي هذا الموسم تحديداً ، فمن وجهة نظري ان من الضروري أن تترسخ لدينا قناعة تامة ان الإقبال على تلقي اللقاحات هو الحلّ السحري الوحيد في الوقت الراهن للتصدي لهذا الوباء ، دون إهمال التدابير الصحية المعممة .
اننا وحين نتحدث عن هذا الموضوع الذي يمس كل بيت وكل أسرة ، لابد من العودة الى القول أن التطعيم ضد هذا الوباء اللعين هو الحل الجذري لتحصين الطلبة ، مع تأكيد مأمونية هذا اللقاح ، فقد منحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) ترخيصًا مطمئنا لاستخدام لقاح "كوفيد ١٩" من فايزر-بيوإنتيك للاولاد الذين تتراوح أعمارهم بين (١٢ و ١٥) عامًا ، حيث يتطلب لقاح "كوفيد ١٩" من فايزر-بيوإنتيك حقنتين بينهما "٢١" يومًا ، ويمكن إعطاء الجرعة الثانية بعد مدة تصل إلى ستة أسابيع بعد الجرعة الأولى إذا لزم الأمر ، وقد أظهرت الأبحاث أن لقاح فايزر-بيوإنتيك فعال بنسبة ١٠٠٪ في الوقاية من فيروس "كوفيد ١٩" لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين (١٢ و ١٥) سنة ، وقد أظهرت أبحاث سابقة أن اللقاح فعال بنسبة (٩٥٪) في الوقاية من الأعراض الناتجة عن عدوى "كوفيد ١٩" لدى الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم "١٦" عامًا فأكثر ، لذلك وبعد أخذ اللقاح بالكامل ، يمكن للأبناء العودة إلى ممارسة العديد من الأنشطة الصفية التعليمية الدراسية التي قد تعذّر أداؤها بسبب الجائحة حيث يُعتبر الطالب حاصلًا على اللقاح بالكامل بعد أسبوعين من أخذ الجرعة الثانية من لقاح فايزر-بيوإنتيك "لكوفيد ١٩" .
اما قرار وزارة التربية والتعليم القاضي بتقليص عدد أيام الدراسة في الفصل الدراسي الأول للعام الدراسي الحالي وتقديم الامتحانات لتبدأ في الثامن من كانون الأول القادم ، مع ترحيل جزء من المادة الدراسية التي لن يتمكن المعلمون من انهائها والتي ارجئت لبداية الفصل الدراسي الثاني الذي سيبدأ في الأول من شهر شباط ٢٠٢٢م ، ذلك حرصاً من وزارة التربية والتعليم على سلامة وصحة ابنائنا الطلبة ، فالقرار احترازي بعد أن أظهرت الفحوص أن ثلث الإصابات تعود إلى الفئة العمرية( ١١-١٧ ) عاما والتي تستدعي بالفعل تحصين هذه الفئة باللقاح الذي اوصت به منظمة الصحة العالمية والمجاز عالمياً ، حيث أن المصابين من تلك الفئة يشكلون بؤرة قد ينقلون من خلالها الفيروس إلى بيوتهم وأهاليهم وكبار السن - لا قدر الله - .
ان ما تفكر به وزارة التربية والتعليم يصب في مصلحة ابنائنا الطلبة في الحفاظ على عدد أيام الدراسة خلال العام ، دون أن يكون ذلك على حساب منهاج الفصل الدراسي الأول ، الذي يمكن تغطية جميع محتوياته بحسب خطط المعلمين ، فقانون وزارة التربية والتعليم حدد أيام الدراسة الفعلية بين (١٩٥ - ٢٠٠) يوم في المدارس التي يعطّل طلبتها ليومين في الأسبوع الواحد ، وأن الوزارة بقرارها خفضت عدد أيام الفصل الدراسي الأول وزيادة "الفرق" إلى الفصل الدراسي الثاني ، مع مراعاة الحفاظ على عدد أيام السنة الدراسية ، حيث أن القرار جاء بالتنسيق مع وزارة الصحة ولجنة الأوبئة والمركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات ، ذلك للتقليل من فرص انتشار العدوى في الفصل الدراسي الأول لتزامنه مع فصل الشتاء وتجمع الطلاب في أماكن مغلقة وكما سبق واشرت ، أما السبب الثاني فيرجع إلى عقد الامتحان التكميلي لطلبة الثانوية العامة في نهاية كانون الأول المقبل ، ما يتطلب خلو المدارس لإجراء عمليات التعقيم وتطبيق التباعد وما يرافق ذلك من اجراءات .
واخيرا فانا اعتقد ان قرار وزارة التربية والتعليم قرار "حكيم” يراعي أولويات الوزارة في الحفاظ على مجتمع مدرسي آمن والأخذ بعين الاعتبار توفير بيئة صحية آمنة توازن بين صحة الطلبة وتعليمهم ، وإعطاء الفرصة الكافية لأولياء الأمور في المسارعة لتحصين آبائهم من هذا الوباء اللعين ، وهذا يعتمد بالمحصلة على قناعات أولياء الأمور ، ذلك أن القرار ليس "الزامي" ولكنه أصبح ضرورة حتمية تحتاجها طبيعة هذا الوباء وما تتطلبه وتفرضه المرحلة القادمة من اجراءات .
حمانا الله وإياكم من كل مكروه ووباء ، وحمى الله وطننا وقائدنا وامدكم وايانا بتمام الصحة والعافية .
انه نعم المولى ونعم النصير
ودمتم سالمين
مع تحياتي