د. ليث كمال نصراوين
أوصت لجنة التعديلات الدستورية بإضافة فقرة جديدة إلى المادة (84) من الدستور تشترط موافقة ثلثي الأعضاء الحاضرين في مجلسي الأعيان والنواب لإقرار القوانين المتعلقة بالانتخاب والأحزاب السياسية والقضاء والهيئة المستقلة للانتخاب وديوان المحاسبة وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد، على أن يسري نفاذ هذا النص اعتبارا من مجلس الأمة التالي للمجلس الذي يقرر إضافتها.
إن الدستور الأردني سيتضمن لأول مرة في نصوصه وأحكامه ما استقر الفقه الدستوري على تسميته «بالقوانين المكملة للدستور» أو «القوانين الأساسية» أو «القوانين العضوية«. فالدستور الوطني - الذي يحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها ويرسم الخطوط الرئيسة لتشكيل السلطات الدستورية والعلاقة بينها - لا يمكنه الإحاطة بكافة تفاصيل هذه الأحكام وجزئياتها. بالتالي، يعهد المشرع الدستوري إلى ممثلي الشعب في السلطة التشريعية وضع بقية التفصيلات التي رسم الدستور خطوطها العامة في قوانين تُكمِل الدستور.
وقد سميت هذه القوانين بالمكملة للدستور لأن المشرع الدستوري يريدها أن تكمل تطبيق بعض النصوص الدستورية وتحدد شروط نفاذها. ولغايات الموازنة بين هذه القوانين وحق السلطة التشريعية في إقرار القوانين العادية، تعتبر القوانين المكملة للدستور استثناء على الأصل العام، فيتم إيرادها على سبيل الحصر في الدساتير الوطنية، دون التوسع في تطبيقها أو تفسيرها.
نظرا لطبيعتها المكملة للدستور وضمانا لاستقرارها وعدم خضوعها لتأثير أغلبية برلمانية معينة، فقد استقر الفقه الدستوري على فرض مجموعة من الإجراءات الصارمة لإصدار أو تعديل هذه القوانين المكملة بين اشتراط أغلبية نيابية خاصة، أكثر من الأغلبية المطلوبة لإقرار القوانين العادية، أو إخضاعها لرقابة مسبقة من القضاء الدستوري، وذلك للتحقق من مدى مطابقتها للدستور قبل إصدارها، أو كلا الإجرائين معا.
ففي فرنسا مثلا، يشترط دستور 1958 لإصدار القوانين الأساسية سلوك الطريقين معا، إذ تنص المادة (46) من الدستور الفرنسي على وجوب عرض القوانين الأساسية على المجلس الدستوري قبل إصدارها للتحقق من موافقتها لأحكام الدستور، إضافة إلى موافقة الأغلبية المطلقة لغرفتي البرلمان، وهما الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ.
وقد سار الدستور الجزائري لعام 1996 على هذا النهج، حيث تنص المادة (123) منه على وجوب عرض «القانون العضوي» على المجلس الدستوري للتحقق من مطابقته مع الدستور قبل إصداره، وأن يصوت على القانون العضوي الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب. بينما اكتفى الدستور المغربي لعام 2011، في الفصل (132) منه، على وجوب إحالة هذه القوانين إلى المحكمة الدستورية قبل إصدارها للبت في مدى مطابقتها لأحكام الدستور.
أما الدستور التونسي لعام 2014، فقد اقتصر في الفصل (64) منه على الاكتفاء بمصادقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لأعضائه على مشاريع القوانين الأساسية، ولم يشترط الرقابة القضائية المسبقة على دستورية هذه القوانين.
وفيما يخص نطاق هذه القوانين المكملة للدستور، فإنها تختلف من دولة إلى أخرى وإن كانت جميعها ترد بنصوص صريحة في الدساتير الوطنية. فقد نصت المادة (81) من الدستور الإسباني لعام 1978 بالقول إن القوانين الأساسية هي التي تتعلق بتقرير الحقوق الأساسية والحريات العامة، وذات صلة بنظام الحكم الذاتي وقانون الانتخابات، في حين حدد الدستور الفرنسي نطاق تطبيق القوانين الأساسية بالموضوعات المتعلقة بتشكيل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتنظيم المجلس الدستوري.
أما الدستور الجزائري لعام 1996، فقد نصت المادة (123) منه على أن يصدر البرلمان قوانين عضوية لتنظيم السلطات العامة، والانتخابات، والأحزاب، والإعلام، والتنظيم القضائي، والقوانين المالية، وقوانين الأمن الوطني. كما حدد الدستور المصري لعام 2014 موضوعات القوانين المكملة للدستور في المادة (121) منه التي تنص بالقول «تصدر القوانين المكملة للدستور بموافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس، وتعد القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية، والنيابية، والمحلية، والأحزاب السياسية، والسلطة القضائية، والمتعلقة بالجهات والهيئات القضائية، والمنظمة للحقوق والحريات الواردة في الدستور مكملة له».
أما الدستور التونسي، فقد توسع في المادة (65) منه في الموضوعات التي يجري تنظيمها من خلال قوانين أساسية لتشمل الموافقة على المعاهدات، وتنظيم العدالة والقضاء، وتنظيم الإعلام والصحافة والنشر، وتنظيم الأحزاب والنقابات والجمعيات والمنظمات والهيئات المهنية وتمويلها، وتنظيم الجيش الوطني، وتنظيم قوات الأمن الداخلي، القانون الانتخابي، والتمديد في مدة مجلس نواب الشعب، والتمديد في المدة الرئاسية، والحريات وحقوق الإنسان، والأحوال الشخصية، والسلطة المحلية، وتنظيم الهيئات الدستورية، والقانون الأساسي للميزانية».
وقد اعتبر البعض أن هذه القوانين المكملة للدستور التي اقترحتها اللجنة الملكية ستحتل مرتبة الدستور الأردني على اعتبار أنها تشترط الأكثرية ذاتها المطلوبة لتعديل الدستور. وهذا القول غير سليم، فتصديق جلالة الملك على هذه القوانين سيخضع للقواعد العامة المتعلقة بالموافقة على القوانين العادية كما وردت في المادة (93) من الدستور، وذلك من حيث المدة الزمنية المحددة له بستة أشهر، وحق مجلس الأمة في تجاوز حالة رفض جلالة الملك التصديق على هذه القوانين المكملة للدستور.
laith@lawyer.com