الحرس القديم بالأردن

أُطلق مصطلح الحرس القديم على عناصر النخبة من المخضرمين في الحرس الإمبراطوري لنابليون، ويعتقد بأن نابليون قام بنفسه باختيار أعضاء الحرس القديم بناء على الصفات البدنية، وكان أبرزها أن يكون الطول فوق المتوسط، كانت قامتهم المهيبة محط إعجاب الأعداء والحلفاء على حدا سواء، واعتبرت الخدمة في الجيش لعدة سنوات والشجاعة من أحد الأسس التي تأخذ في عين الاعتبار عند ضم الوحدات العسكرية في صفوف هذا الحرس، وحل الحرس على يد التحالف السادس في عام 1814 مع بقية الحرس الإمبراطوري.

 


ويشير موقع ويكبيديا الى أن عبارة "الحرس القديم" تستخدم في الوقت الحاضر في فرنسا عند الحديث عن الأتباع القدامى لسياسي معين وهي تحمل معنى أقل ما يقال عنه أنه يدل على التحقير، ويتم أيضا تداول هذه العبارة بكثرة في أوساط الصحفيين السياسيين. 

 


وكثر في الآونة الأخيرة استخدام عبارة «الحرس القديم» خاصة في الدول العربية التي تشهد ثورات شعبية، ويقصد بهذا التعبير كبار المسئولين الذين ظلوا فترة طويلة في العمل السياسي حيث عرف عنهم عدائهم ورفضهم لمشاريع الإصلاح وإقصاء الجيل الصاعد من ممارسة العمل السياسي، فهل لدينا بالأردن حرس قديم؟
سأترك الإجابة على هذا السؤال للقارئ بعد أن أسوق الشواهد التالية، ومنها أن الحكومات الأردنية غير منتخبة ويعاد إنتاجها بتكليف من لدن جلالة الملك شريطة حصولها على ثقة مجلس النواب وهو الحائز على ثقة 31% من الأردنيين فقط حسب نتائج مركز الدراسات الإستراتيجية بالجامعة الأردنية. 


ويلاحظ أن رؤساء الحكومات قد كلفوا مرة ومرات عديدة واختاروا وزراءهم من معارفهم بما أصبح يعرف باختيار من العلبة ذاتها مع بعض الاستثناءات لأغراض تفريق حراك شعبي أو تسفيه معارض. 


الغرفة الأولى من مجلس الأمة، منتخب أعضاؤها وقد جرى هندسة نتائجها على يد الثنائي اليساري معايطة-كلالدة وأصبحت المعقل الأول للشد الخلفي من خلال تشريع الإنسحاب الديمقراطي من خلال استعجال قانون الإدارة المحلية على الرغم من مناقشته باللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، واستطاع الحرس القديم في كل من الحكومة ومجلس الأمة سبق القوى التقدمية الساعية لإصدار قانون عصري ينبض باللامركزية، وكان لها ذلك حيث ستجرى الانتخابات وفقاً للقانون الجديد 2021 والذي بدأت بشائره تهل علينا من خلال تشكيل وزير الإدارة المحلية للجان التي سترأس مجالس المحافظات لشهور عدة قادمة ورّأس عليها مساعدي المحافظ لشؤون التنمية والذين يتبعون بالتسلسل الوظيفي للمحافظ الذي يرأس الغرفة الثانية باللامركزية وهي المجالس التنفيذية. وقد يبرر الحرس القديم هذا الخلط بأنه مؤقت لحين إجراء الإنتخابات وتسلم مجالس المحافظات المنتخبة وفقاً للقانون الجديد رقماً والقديم موضوعاً لمهامه، فهل لدينا بالأردن ترف الوقت لنهدر نصف سنة من عمل اللامركزية بالتقدم خطوة والرجوع خطوات. 


وحتى ضمن منظومة الحرس القديم نفسه والذين استلموا السلطتين التشريعية والتنفيذية، برز صراع مستتر احياناً وبارز أحياناً أخرى فكلٍ يدير النار على قرصه، بدواعي التحذير من القفز الى المجهول من لدن الفريق الأول والتجديد ومن لدن الفريق الثاني الذي أدرك بأن الكائن الذي لا يتطور يضمحل. 


وما كان هذا الاختلاف بالرؤيا أن يظهر للعلن لولا الضعط الملكي المقتنع بضرورة تمكين الأحزاب والدفع بالأردن في مئويته الثانية نحو الملكية الدستورية الحقيقية بعد ان تم العبث بدستور 1952.


الحرس القديم لا يستطيع معارضة التوجهات الملكية ويحاول أن يتعايش معها من خلال هندسة الانتخابات وبندقة القوانين لفرملة التجديد كما حدث بقانون الإدارة المحلية نصاً وتطبيقاً، ولكن ماذا عن القوى الأخرى التي تسعى للوصول الى التنمية المتوازنة من خلال اللامركزية الإدارية، فهل هي مستعدة للمواجهة القادمة، والجواب نعم لو تمكن التيار المدني من فرض توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظمة السياسية بقانوني الإنتخاب والأحزاب، وهما القفل والمفتاح لكبح جماح الحرس القديم الذي يسعى للحفاظ على مكتسباته ليس أكثر، وآخر همه التحول الديمقراطي الذي يبشر بفنائه.