في الأول من أكتوبر عام 1949م أعلن الزعيم ماو تسي تونغ قيام جمهورية الصين
الشعبية، وعلى مدار واحد وسبعين عاماً قطع الشعب الصيني بقيادة الحزب الشيوعي رحلة من الكفاح والعطاء والتضحيات والدموع والدم ليحفر مكانة عظيمة لبلده على كل الأصعدة، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولتصبح التجربة الصينية ملهمة للكثير من الدول في قهر الصعاب والمتاعب وصنع مستقبلها وتحقيق آمال شعوبها..
وإذا كان الاحتفال بالعيد الوطني لبلد ما يقصد به التكريم وإحياء الذكرى واستلهام طاقة جديدة من الماضي المجيد، فيُرجى من وجهه الآخر استخلاص الدروس والخبرات، وفي هذه السلسلة نتذكر معاً أهم الإنجازات التي تحققت في الصين منذ أول أكتوبر 1949م حتى أول أكتوبر 2020م لعلنا نستفيد أو نفيد.
عامٌ ليس كغيره
ما بين احتفالات العام الماضي التي تخللها عرض عسكري هو الأضخم في تاريخ البلاد، والذي حضره الزعيم شي جين بينغ وغيره من كبار قادة الصين ومسئوليها وحشود شعبية ضخمة، وبين احتفالات هذه السنة، مر عام ولكنه ليس كأي عام، كأنه دهر طويل، فقد واجهت الصين وهي تتأهب لاحتفالات عيد الربيع السنوية إصابات بالتهابٍ رئوي يسببه فيروس غامض، عرف لاحقاً باسم كورونا الجديد ثم كوفيد 19.
بدأ الأمر في مدينة ووهان الجميلة والقلعة العلمية والتعليمية والصناعية في البلاد، وسارعت الدولة واحتشدت بكل مؤسساتها المدنية والعسكرية للتغلب على هذا العدو المخيف الذي لا يرى بالعين المجردة والذي وصفه الرئيس شي بأنه الشيطان، وبعد شهور من التحدي والصبر والعمل الشاق والتضحيات والضحايا (بلغ عدد المصابين حتى الآن أكثر من 85297، وعدد الوفيات 4634) نجح الشعب بقيادة الحزب الشيوعي في تحقيق انتصار مرحلي وإستراتيجي مهم في هذه المعركة الصعبة، واستأنفت عجلة الإنتاج دورانها ومسيرة الحياة جريانها، مع الالتزام الصارم بتدابير الوقاية والسيطرة، لتقدم الصين إلى دول العالم التي ضربها هذا الفيروس اللعين خبرات لا تقدر بثمن في التشخيص والعلاج والأدوية ونافذة أمل في إمكانية التغلب على الجائحة والعودة إلى الحياة الطبيعية مرة أخرى.
ولم تصفق الصين لنفسها على هذا النجاح وتجلس في الظل لتستريح من غبار المعركة بل سارعت إلى مد العون للدول المتضررة من الفيروس، وأرسلت آلاف الأطنان من مواد مكافحة الوباء مثل الكمامات والملابس والنظارات الواقية وأجهزة تشخيص المرض والمستلزمات الطبية والأدوية إلى معظم بلدان العالم، ولم يكن هذا تصرفاً حكومياً رسمياً فقط بل تضافرت معه جهود شعبية هائلة وشركات ورجال أعمال، لجمع التبرعات واللوازم وإرسالها إلى الجهات المحتاجة..
ليس هذا فحسب بل سارعت المؤسسات العلمية والطبية بإشراف الحكومة ودعمها إلى عقد مؤتمرات الفيديو بين الخبراء الصينيين ونظرائهم في الدول الأخرى، لعرض التجربة والخبرات الصينية في الوقاية والسيطرة، كذلك جرى إرسال مئات القوافل والكوادر الطبية الممتازة إلى جميع البلدان التي أصابها الوباء..
وها هي الصين تمضي على درب إنجاز لقاحات ضد المرض، مؤكدة على لسان زعيمها شي أنها ستجعلها منفعة عامة عالمية، وستكون الدول الفقيرة والنامية من أوائل المستفيدين منها، اتساقاً مع مسئوليتها كدولة كبرى، وتماشياً مع مبادئ التشارك والكسب المتبادل والتنافُع كعائلة عالمية واحدة.
وهذا العام تتعطل المؤسسات الرسمية في أول أكتوبر ولمدة ثمانية أيام متواصلة احتفالاً بالعيد الوطني، الذي يتزامن، في مصادفة نادرة، مع عيد منتصف الخريف حسب التقويم القمري الصيني، الذي يعتبر ثاني أكبر عيد تقليدي في البلاد بعد عيد الربيع، ويرمز إلى لم الشمل، ويرجع تاريخ الاحتفال به إلى أكثر من 1300 عام، ونشأته محفوفة بالأساطير والحكايات الشعبية المرتبطة بالخلود والقمر والزواج، ويحتفل الصينيون فيه بأكل فطائر يطلق عليها اسم "كعك القمر"، وتتعدد أنماطه وأشكاله، وتتنوع حشواته باختلاف المناطق والمقاطعات، فهناك المكسرات والفواكه المجففة والتمر الصيني وعجينة الفاصوليا الحمراء وصفار البيض المسلوق واللانشون واللحوم وغيرها كثير.
ويقول الصينيون: "إن القمر يكتمل بدراً عند منتصف الخريف، ويكون مذاق كعك القمر شهياً لذيذاً".