الكل يعرف بشأن المعجزة الاقتصادية، التي حققتها الصين خلال العقود الأربعة الماضية، إلا أن ما تحقق في مجال التعليم يعد بحد ذاته معجزة أخرى تستحق التأمل والإشادة، ولكي ندرك الفرق بين ما كان في الماضي وما هو كائن في الحاضر، نورد هنا بعض الأرقام..
في أكتوبر عام 1949م كان عدد سكان الصين 540 مليون نسمة، وبلغت نسبة الأمية فيها 80%، من بينهم 70% من النساء، وكان 90% من النساء أميات، ومعدل التسجيل الفعلي في المدارس الابتدائية أقل من 20%، وعدد الطلاب المسجلين في التعليم العالي بلغ 117 ألفا فقط، في حين كان الإنفاق على التعليم يشكل 32ر1% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، حسب ما نشره الدكتور ليو فو شينغ الأستاذ بجامعة الشعب، في مقال له بمجلة الصين اليوم..
ومنذ بدء مسيرة الإصلاح والانفتاح التي قادها الزعيم دينغ شياو بينغ عام 1978م وجهت الدولة إلى التعليم بكل مراحله عناية خاصة، واستثمرت فيه أكثر من 26ر36 تريليون يوان، بزيادة سنوية بلغت 1ر17%، وفي عام 2016م بلغ الاستثمار في التعليم 14ر3 تريليون يوان، أي ما يعادل 24ر4% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقد ارتفع عدد خريجي الجامعات في الصين من 165 ألفاً إلى 74ر8 مليون في عام 2019م، بزيادة قدرها أكثر من واحد وخمسين ضعفاً على مدار 41 عاماً، كما انخفضت نسبة الأمية إلى 4% عام 2010م بعد أن كانت 22% عام 1979م.
وبنهاية عام 1998، كان في كل البلاد 1022 جامعة عامة، والآن بلغ عدد الجامعات في الصين 2956، فيما وصل عدد الطلاب الجامعيين إلى حوالي 27 مليوناً.. (حسب وزارة التعليم الصينية)..
ورغم أن عدد الخريجين الجامعيين الهائل كل عام يمثل مشكلة ليست بالهينة حتى في الدولة صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، من ناحية توفير وظائف مناسبة لهم واستيعابهم في سوق العمل، فإنه مؤشر أيضاً على تيسير الدولة لظروف الالتحاق بالجامعات.
والصين بوصفها الأكبر عالمياً من حيث عدد السكان، فهي أيضاً تمتلك أكبر نظام تعليمي وتضم أكبر عدد من الطلاب أيضاً، وقد ذكر متحدث باسم وزارة التربية والتعليم يوم 22 سبتمبر، أن حوالي 90% من الطلاب في المدارس الابتدائية والمتوسطة والجامعات في أنحاء الصين استأنفوا الدراسة، بما يمثل 242 مليون طالب..
كما تحتل الصين مرتبة متقدمة جداً من حيث جودة التعليم على مستوى العالم، وأصبحت جامعاتها ومعاهدها قِبلة لآلاف الطلاب من كل أنحاء العالم، بينهم آلاف من الطلاب العرب الذين بلغ عددهم في عام 2016م حوالي 18050 طالباً، ويندر أن تكون هناك جامعة صينية لا يدرس بها طلاب أجانب.
أضف إلى ذلك أن الصين الآن أكبر دولة مصدرة للطلاب على مستوى العالم، سواء المبتعثون على حساب الدولة أو الدارسون على نفقتهم الخاصة، ولا يبخل الآباء بإنفاق مدخرات العمر على تعليم أبنائهم في الخارج، فهناك آلاف مؤلفة من أبنائها يدرسون في جامعات الشرق والغرب، ليعودوا فيما بعد إلى بلادهم ويضخوا قوة وحيوية في مسيرة نهضتها، وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر من نصف مليون طالب صيني يدرسون بالخارج، ويرجع 80% منهم إلى الصين بينما يفضل الآخرون البقاء في تلك البلدان.
وقد حكت لي صديقة شابة درست في جامعة لندن لمدة ثلاث سنوات أن أباها همس في أذنها قبل أن تركب الطائرة للسفر إلى المملكة المتحدة قائلاً، لا أريد منك سوى أن تتفوقي وتعودي إلى الصين بعد إكمال دراستك ..
ثم أردف جاداً: وإلا عليك أن تدفعي لي ما أنفقته على تعليمك في الخارج.
وهذه الحكاية على ما فيها من طرافة فإنها تعكس روح الوطنية والانتماء لدى الصينيين، وسريانها بين الأجيال المختلفة كتيار كهربائي مقدس، ما كان له أثر عظيم في استمرارية النهضة الصينية، حيث شكل العائدون من الخارج بعد إكمال تعليمهم رافداً مهماً في دفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصين.