لست مطّلعاً على تفاصيل الخصومة بين نقابة المعلمين في الأردن والحكومة. ويشتكي المعلمون من أن الحكومة لا تنصفهم وهم مربو الأجيال. وحيث أنني أنسل من عائلة وظيفتهم الغالبة هي التعليم، ومنهم والدي رحمه الله، فإنني أتعاطف معهم حُكماً. ولنتناول هذا الموضوع، فإن لي بعض الملاحظات.
إن قانون نقابة المعلمين المهنية، حدد من هو المعلم ولم يحدد ما هي المؤهلات المطلوبة ليصبح مهنياً. فأكثر المعلمين نساء ورجالاً يبدؤون التعليم مباشرة بعد التخرج من الجامعة. وإذا كان التعليم مهنة فهل هذا يعني أن كل خريج هو معلم مهني. فأين شروط المهنية في قانون نقابة المعلمين؟
والأمر الآخر الذي يجب أن يشار إليه، هل نقابة المعلمين نقابة مهنية أم نقابة عمالية؟ وحتى لو كانت عمالية، أو أن قانون نقابتها منحها صلاحية الدفاع عن العاملين في المهنة حيال أصحاب العمل، فهل ينطبق هذا على العاملين في القطاع العام من المدرّسين؟
إن قيمة المعلم لا تنتج من عمله أو مهنته، بل تنبع من مدى تأثير هذه المهنة على كل قطاعات الدولة، ومستقبلها العلمي والثقافي والاقتصادي والسياسي والسلوكي. وإذا لم يؤد المعلمون هذا الدور فإنهم يصبحون مثلهم مثل أي مهنة أخرى.
وإذا كانت القضية قضية أرباب بيوت يعملون معلمين ويواجهون صعوبات الحياة، فذلك ينطبق على كل المهن سواء كان سائق شاحنة، أو باص مدرسة، أو كان محاسباً، أو كاتباً، أو باحثاً أو صحفياً أو مهندساً زراعياً، أو كان من كان. فالسوق لا يميز بين معلم وسائق عندما يشتري المرء حاجاته، وكلهم يدفع نفس سعر كيلو البندورة، والخبز، والحليب وغيرها من الحاجيات.
والمشكلة أن التعاطف الذي حظي به المعلمون من قطاعات عريضة من الناس ناتج عن كبر عدد الاعضاء فيها، وتضافرهم مع بعضهم البعض، ولكن مشكلة التعاطف أنه عندما يوجه لمجموعة كبيرة لا يدوم. وذلك لأن استمرار الإضراب والسعي لتعميق أثره حتى تستجيب الحكومة سوف يحدث ردود فعل سلبية لدى جمهرة الناس، وخشية على مصير أطفالهم وأمنهم.
وفي الدول التي يُعتبر فيها نظام التعليم متميزاً ومتطوراً، نرى أن هنالك علاقة طردية بين مستوى أجور المعلم ومستوى التعليم. وهذه الحقيقة خضعت لدراسات كثيرة بدءاً من دراسة الاقتصادي الأميركي "تيبور سكيتوفسكي” من جامعة كاليفورنيا حتى دنيسون وغيره. ولكن السؤال الذي لا يثيره أحد، هو أن الاستاذ هنالك لا يصبح استاذاً كيفما حصل. ليس كل من دَرَسَ الرياضيات يصبح أستاذاً لها. بل إن لمهنة التعليم ونقل المعرفة فنونها، وأساليبها، ووسائلها المتطورة المتجددة.
إذا كنا نريد للأستاذ أن يكون على مستوى عال من الدخل قياساً للمهن الأخرى، فعلينا أن نرقى بمهنيته وحرفيته إلى المستوى الذي لا يجعل التعليم حكراً على الحفظ والتلقين. بل يغطي متطلبات التعليم الأخرى المتمثلة في إكساب الطلاب مهارات المقارنة، والتحليل، والاستنتاج، والنقد العلمي، والابتكار والابداع. وهذه متطلبات العصر، ومعظم الاساتذة ليس لديهم القدرة ولا المعرفة في أسلوب تحفيز الطلاب على ذلك.
وهنالك قضية أخرى لا نعيرها كثيراً من العناية، وهي التربية، وهذه تتطلب من الاستاذ أن يكون قدوة في سلوكه، ولغته، وألفاظه. وكذلك تتطلب تعاوناً وثيقاً بين المدرسة وأهالي الطلبة، وتقتضي وضع أسس تأديبية وإجرائية بحق المخالفين لكي نكسبهم لا لنخسرهم.
صحيح أن معدل أجر الاستاذ المبتدئ لا يعادل أكثر من ثلثي أجر العامل العادي هذه الايام، ولكن هذا في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي كان مقلوباً، فأستاذ الاحتياط كان راتبه (12) ديناراً لما كان العامل يعمل من الفجر حتى الغروب بـ (30) قرشاً في اليوم أو ثمانية دنانير شهرياً بعد حسم ايام الجمعة، وبدون تقاعد أو ضمان أو تعويض.
أجور المعلمين متدنية، وكذلك مستوى التعليم. والرقي بهما يقتضي معالجة الأجور ومعالجة قدرات الأساتذة ومهنيتهم. أما أن نرفع الأجور لمجرد تغطية تكاليف الحياة، فهذا مطلب ينطبق على كل الوظائف الأخرى.