تعلمت من.. أحــفــادي!

لم أعد أخجل أن أسأل أحد أحفادي عن أمرٍ ما في هذا العالم الجديد بالنسبة إليّ. عالم النت الذي شبكنا ولم يُخلِّصْنا، على رأي عبد الحليم حافظ. مؤكد أنه لن يُخلِّصنا.
أسأله: أيُّ زرٍّ أكبس لتظهر عندي قناةٌ ما أو اسمٌ ما أو حتى معلومةٌ ما؟ بثقةِ الواثقِ يأخذ الموبايل من يدي، «هات سيدو». وبأصبعه الصغير، وأحيانًا بأصبعين، كلُّ واحدٍ في يدٍ، يبدأ بالنقر على أزرار الموبايل بسرعة. أسترق النظر إلى ما يفعل لأتعلَّم منه ولا أحتاجه مرةً ثانية، لكن هيهات! فسرعته تسبق محاولاتي، وأخجل أن أقول إدراكي.
أليس الزمن يجري سريعًا؟ أسرعَ من أن نلحق بأحفادنا؟
أخبارٌ سريعة، وجباتٌ سريعة، المنسف في الكاسة، الكنافة في صحنٍ بلاستيكي، الكوسا في محلات الخضار محفورةٌ وجاهزة، الملوخية مفرومةٌ في أكياس نايلون... ووو الخ الخ... حتى لم تعد تغلي قهوتك على مزاجك بمزاجٍ رائق. وأنت جالسٌ في سيارتك تدخل في ممرٍّ ضيّق، تمرُّ بشبّاك بالكاد ترى رأسَ من يُكلِّمك: «تفضّل، شو طلبك؟»
تطلب، وتتقدّم مسافةً قصيرة، يناولك أحدُهم أو إحداهُنَّ كوبًا من الكرتون المصنوع من موادَّ مُعادٍ تدويرها، والله أعلم ما هي تلك المواد.
الكوب مغطّى بغطاءٍ بلاستيكيٍّ جميل، لكن أيضًا لا تعلم من أيّة موادّ تمَّ تصنيعه.
بعضُ الدول المتقدّمة ألغت الأكياس البلاستيكية بعدما ثبت ضررها على صحّة الإنسان، وعادت إلى أكياس الورق مثل أيّام زمان.
الورق ابنُ الشجر، والشجرُ أجملُ ما في الطبيعة. طبيعتُنا كما هي، من دون مساحيق وتجميلٍ وأقنعة.
نحن أبناءُ جيلِ الكتابةِ على الورق، يسكنُنا حنينٌ لقلم «البيك» الأزرق، وليس «البييك» و«الأفندي» و«الباشا». وقلمِ الرصاصِ أبو محاية. كانوا يعلّموننا الخطَّ في دفاترَ خاصّة. سطرٌ في أعلى الصفحة مطبوعٌ بنوعٍ من أنواع الخط العربي، لنملأ السطورَ الباقيةَ بنفس الكلمات والخط.
المفارقة أن الطلبة الأجمل خطًّا لم يكونوا الأشطر، بل بعضُهم كان الأقلَّ علاماتٍ في مادة العربي والمواد الأخرى.
ثَمَّةَ كتّابٌ وشعراءُ كبارٌ ومبدعون في زمننا، زمنِ الكيبورد والورد والنت وملحقاته التي لا أعرفها، لم يزالوا يكتبون إبداعاتهم بالحبر على الورق، ثم يقوم أحدُ ما، ربما بناتهم أو أحفادُهم، بكتابتها على اللابتوب.
تعلّمتُ مما سبق أن ليس كلُّ أنيقِ الملبس جميلًا، وليس كلُّ بسيطِ المظهر قبيحًا، وليس كلُّ متحدثٍ ثرثارٍ يقول شيئًا، وليس كلُّ مدّعي الحكمة حكيمًا.
تعلّمتُ أن من يُجيد تسويق نفسه قد يكسب إلى حين، لكن في المحصّلة يخسر نفسه كسلعةٍ انتهت صلاحيتُها. وأن من يحترف الكذب يأتي يومٌ ليكتشف أنه كذبة، مجرّد كذبة!