دراما رمضانية أردنية.. ما المانع؟

مع حلول شهر رمضان، تتجه أنظار الملايين من المشاهدين العرب إلى الشاشات لمتابعة السباق الدرامي الذي أصبح جزءًا من طقوس الشهر. في القاهرة ودمشق وبيروت والخليج العربي، تتنافس القنوات بأعمال ضخمة تتسابق على قلوب الناس. لكن وسط هذه الزحمة، يتردد سؤال يغص في القلب، أين الأردن منبع الفن الأصيل الأول بشهادة القاصي والداني؟ و.. لماذا لا نرى دراما أردنية حاضرة بقوة في هذا الموسم الذي يعتبر «العيد الأكبر» للدراما العربية؟

بالأمس وللمرة الثانية على التوالي، رفع فنانون أردنيون بارزون صوتهم في رسالة صريحة، عبّروا فيها عن حرصهم على إعادة الاعتبار للدراما المحلية. من بين الأسماء التي وقّعت الرسالة: زهير النوباني، أمل الدباس، محمد العبادي، جميل براهمة، ساري الأسعد، مارغو حداد وغيرهم من قامات الفن الأردني. هؤلاء الفنانون لم يكتبوا بيانًا بروتوكوليًا، بل صرخة وجدانية صادقة قالت الكثير حين كتبت «ولا نصرخ من فراغ، بل من إيمان بأن الإبداع الأردني يستحق أن يُحتضن، لا أن يُهمّش.»

المطلب كان واضحًا وبنّاءً: إطلاق منافسة درامية دائمة تبدأ من رمضان المقبل، تُنتج فيها أعمال مميزة ذات قيمة فنية وجماهيرية، وبما لا يقل عن خمسة مسلسلات سنويًا تضمن حضور الأردن في المشهد العربي.

لا يمكن إنكار أن الدراما الأردنية تركت بصمتها منذ عقود، خصوصًا من خلال الأعمال البدوية التي عرّفت المشاهد العربي على البيئة الأردنية الأصيلة. أسماء مثل «نمر بن عدوان» و»الطوفان» لا تزال حاضرة في ذاكرة الجمهور العربي. لكن اليوم، يواجه المشاهد فراغًا، حيث غابت الدراما الأردنية عن أبرز ساحة اختبار،  وهي شاشة رمضان.

هذا الغياب لا يرتبط بضعف الموهبة، فالأردن يملك نخبة من الممثلين والكتاب والمخرجين الذين أثبتوا أنفسهم في الخارج، لكنه يرتبط بعقبات واقعية منها ضعف التمويل الذي يحول دون إنتاج أعمال منافسة.

وغياب التسويق الفضائي للأعمال الأردنية على القنوات الكبرى. والأهم غياب خطة وطنية متكاملة لدعم الدراما كقطاع ثقافي وصناعي فاعل وشريك في النهضة المجتمعية والحضارية التي خصها سيد البلاد في كل مرة بالحرص والانحياز والتوجيه الصحيح.

أما، لماذا رمضان بالتحديد؟ لأن هذا الموسم يشكّل اللحظة الذهبية التي يجتمع فيها المشاهد العربي على الأعمال الدرامية. المشاركة في هذا السباق لا تعني مجرد عرض مسلسلات، بل تعني وجودًا على الخريطة الثقافية والإعلامية، وتعني أيضًا فرصة لتعريف الجمهور العربي بالهوية الأردنية وقصصه ومجتمعه.

الفنانون بالأمس شددوا على أن الاستثمار في الدراما ليس ترفًا، بل ضرورة ثقافية واقتصادية. فالمسلسل الناجح يخلق فرص عمل لمئات الشباب، ويعيد تدوير عجلة الإبداع من كتابة وتصوير وإخراج وإنتاج.ناهيك عن الترويج السياحي والمكاني، وهذا ما قدمه الأردن لأعمال عالمية وعربية، صورت على هذه الأرض الجميلة التي لا ترفض الفن بل ترفده بعنصر الجمال وهو الاهم في تشكيلة النجاح.

في أمل. ايه في أمل على رأي فيروز. الأمل ممكن.. إذا تضافرت الجهود. وفي رسالتهم، وضع الفنانون المسؤولية في مكانها الصحيح: على عاتق المؤسسات الوطنية. لكن المسؤولية لا تقع على الدولة فقط. القطاع الخاص يمكن أن يكون شريكًا استراتيجيًا، من خلال الاستثمار في الإنتاج، ورعاية الأعمال، ودعم تسويقها عربيًا. والجمهور بدوره شريك أساسي، فهو من يمنح الثقة للأعمال المحلية، ويصنع النجاح عبر المتابعة والتقدير.

ما يميز هذه الصرخة أنها لم تُطلق لتقسيم أو عتاب، بل لإعادة جمع الطاقات. هي ليست مواجهة مع أحد، بل دعوة للجميع أن يجلسوا على الطاولة ذاتها، لأن مكسب الدراما الأردنية هو مكسب للهوية الوطنية وصورة الأردن عربيًا.

الدراما الأردنية لا تطلب المستحيل، بل تطلب أن تُمنح فرصة عادلة لتعود وتضيء. فالأردن غني بالقصص التي تستحق أن تُروى: حكايات الناس البسيطة، صراعات الجيل الجديد، الإرث الثقافي، والوجدان الذي يربط الأرض بأهلها. كل هذا يمكن أن يتحول إلى أعمال مؤثرة تصل إلى ملايين البيوت العربية.

وفي الختام، تبقى المسألة أبسط مما نتصور: لسنا أمام سؤال «هل نقدر؟»، بل أمام سؤال «متى نبدأ؟».

وربما يكون رمضان القادم هو اللحظة الأنسب ليُطل صوت الدراما الأردنية من جديد، لا كضيف عابر، بل كحضور راسخ يليق بتاريخها وإبداع أبنائها. بنقول « يا رب».