يتواصل جدل العائلات الأردنية حول لعبة "لابوبو"، التي أصبحت محور حديث ونقاش الأمهات والآباء مع تزايد طلب أطفالهم لهذه اللعبة. يرى البعض أنها مجرد لعبة مستوحاة من أساطير الجان الأوروبية، كما قال مصممها، فيما يعتقد آخرون أنها مسكونة بالشياطين، وفق ما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال أهالي إن ترند "لابوبو" أربكهم، وجعلهم محتارين إذا ما كانت مجرد لعبة عابرة أم أنها فعليًا لها آثار غريبة. للطبيب النفسي عمر الفاعوري، الذي قال إن ظاهرة "لابوبو" ليست جديدة تمامًا، فمع كل تطور تكنولوجي يظهر محتوى يثير نقاشات حول مدى ملاءمته للأطفال، وأوضح أن انتشار "لابوبو" يعكس سرعة وصول المحتوى الرقمي وتأثيره الكبير على الأطفال، خاصة في ظل الوقت الطويل الذي يقضونه أمام الشاشات، فمن الناحية النفسية، يميل الأطفال بطبعهم إلى التقليد والتعلق بما هو شائع بين أقرانهم.
وفيما يتعلق بأسباب الجدل حول هذه الدمية، أكد الفاعوري أن الآباء والأمهات لديهم قلق فطري على سلامة أبنائهم وقيمهم، وأي محتوى يُنظر إليه على أنه يتعارض مع هذه القيم يثير رد فعل فوري. وغالبًا ما تكون هناك فجوة بين فهم الأهل لطبيعة هذه الألعاب (التي قد تكون جديدة عليهم) وكيفية تفاعل الأطفال معها.
كما أشار إلى أن بعض السلوكيات أو الإيحاءات في اللعبة قد تُفهم بطرق مختلفة حسب الثقافة، وما قد يكون مقبولًا في سياق معين قد لا يكون كذلك في سياقنا الأردني المحافظ.
وأضاف أن انتشار اللعبة يخلق ضغطًا على الأهل للسماح لأبنائهم باللعب بها لكي لا يشعروا بالاستثناء، وهذا يزيد من توترهم إذا كانوا غير مقتنعين بمناسبتها.
كذلك، أوضح الفاعوري أن القلق من هذه الدمية غالبًا ما يكون صحيًا وطبيعيًا ويعكس حرص الأهل، لكن أحيانًا، قد يدخل فيه عنصر المبالغة أو الهلع، خاصة عندما تنتشر المعلومات دون تمحيص أو عندما يفتقر الأهل للأدوات الكافية للتعامل مع هذا المحتوى.
وشدد على أن التوازن هو المفتاح؛ إذ من المهم أن يكون القلق مبررًا ويدفعنا للبحث والتعلم والتوعية، لا للهلع الذي قد يؤدي إلى قرارات متسرعة.
وفيما يتعلق بتأثير اللعبة على الأطفال والمراهقين، أوضح الطبيب النفسي أن التأثير يعتمد على المحتوى الدقيق للعبة، ولكن بشكل عام، أي لعبة تحتوي على سلوكيات عنيفة أو عدوانية تزيد من الميول إلى العدوانية أو تطبيع العنف لدى الأطفال، خاصة الأصغر سنًا، كما يمكن أن تسبب قلقًا، وكوابيس، أو خوفًا من الظلام لدى الأطفال الحساسين.
وشدد الفاعوري على أهمية دور الأهل في مجابهة هذه الظاهرة وغيرها، إذ تجب عليهم المراقبة الواعية التي لا تعني أن المنع المطلق هو الحل دائمًا، فذلك قد يزيد من فضول الطفل. الأهم هو أن يعرف الأهل ما يشاهده أطفالهم ويلعبونه. كما يجب عليهم أن يجلسوا مع أطفالهم ويسألوهم عن اللعبة، وما الذي يعجبهم فيها، وما الذي لا يعجبهم، ومن ثم الشرح لهم بلغة بسيطة لماذا قد تكون بعض السلوكيات غير مناسبة.
ونصح الفاعوري باستخدام لغة بسيطة وصادقة، كأن يقول الوالد: "هذه اللعبة ممتعة للكثيرين، لكن بعض الأشخاص يعتقدون أن فيها أشياء قد لا تكون مناسبة لعمرك، لهذا السبب، يجب أن نختار الألعاب التي تجعلنا نشعر بالراحة وتساعدنا على أن نكون أفضل." مؤكدًا على التركيز على "لماذا" وليس فقط "لا تفعل".
وعن كيفية التعامل مع عناد الطفل بشأن لعبة "لابوبو"، قال الفاعوري: "عندما يكون ابنك عنيدًا ومصممًا على لعب "لابوبو"، فإن أفضل استراتيجية هي أن تجمع بين التفهم، والحزم، والبدائل الإيجابية." ونصح بأنه على الأهل أولًا وقبل كل شيء، أن يفهموا لماذا هذا الإصرار الشديد على هذه اللعبة تحديدًا، فقد يكون الأمر يتعلق بشعبيتها بين أصدقائه، أو لأنها تمنحه شعورًا بالقوة أو الاستقلالية، أو ربما لمجرد أنه يرى حرمانهم له منها تحديًا. ومن ثم، على الأهل أن يعترفوا بمشاعر الطفل بقول: "أنا أفهم أنك تحب هذه اللعبة كثيرًا وأنك تريد أن تلعبها،" أو "أعرف أنك تشعر بالضيق لأنني لا أسمح لك." فالاعتراف بمشاعره لا يعني الموافقة على سلوكه، بل يفتح قناة للتواصل.
بعد ذلك، يجب وضع الحدود بوضوح، فبعد الاستماع للطفل، يشرح الأهل بهدوء ووضوح موقفهم وقواعدهم، ويستخدمون لغة بسيطة تناسب عمره. مثلاً: "أنا لا أسمح بهذه اللعبة لأنها لا تناسب عمرك وتحتوي على أشياء لا أريدك أن تشاهدها." وشدد على الثبات، فإذا كان الوالد حازمًا في مرة وتراجع في أخرى، فسيتعلم الطفل أن الإصرار والعناد قد يوصلانه إلى مراده. الثبات على القرار مهم جدًا. ومن ثم، يُنصح بتقديم بديل أو بديلين مقبولين بالنسبة للأهل، وتشجيع الطفل على الانخراط مع المجتمع.
أخيرًا، أكد الفاعوري عدم وجود أي أدلة أو براهين تثبت أن لعبة "لابوبو" تحتوي على "مس شيطاني" أو أنها بوابة لكيانات خارقة للطبيعة أو شريرة. إذ أن هذه الأفكار تندرج ضمن الخرافات، والشائعات، والاعتقادات الشعبية التي تنتشر غالبًا حول الظواهر الجديدة أو غير المفهومة، خاصة تلك التي تحيط بها بعض الغموض أو التصميم الغريب. ولذا، يجب أن نتعامل مع هذه الظواهر بعقلانية، ونركز جهودنا على فهم التأثيرات النفسية والسلوكية الفعلية للألعاب الرقمية على أطفالنا، وتوجيههم نحو استخدام صحي وآمن للتكنولوجيا، بدلاً من الانسياق وراء الخرافات.