غزة.. الجوع تحت الركام وصمت العالم

في الوقت الذي يتخم فيه العالم موائده، وتزدحم الأسواق بأنواع الطعام، ثمة بقعة صغيرة على خارطة الأرض تئنّ جوعًا وتلفظ أبناءها إلى العراء، إنها غزّة، حيث يتحوّل الخبز إلى حلم، والماء النظيف إلى أمنية، والنجاة إلى معجزة مؤجلة.

ومنذ اندلاع العدوان الأخير، دخلت غزة مرحلةً غير مسبوقة من العوز الإنساني، حيث لم يعد الجوع ظاهرة موسمية أو عارضًا طارئًا، بل غدا سلاحًا يضغط على عنق الحياة، ويهدد البقاء ذاته.

تشير التقارير إلى أن أكثر من 1.5 مليون إنسان في قطاع غزة يواجهون خطر المجاعة، في ظل انقطاع سلاسل الإمداد، وتدمير المخابز، وتعطّل شبكات المياه والصرف، وتقييد وصول المساعدات الإنسانية.

والمشهد اليومي هناك يختصر كل فصول الكارثة عائلات تفترش الأرض وتلتحف الدخان، أطفال ينامون على بطون خاوية، نساء يتشاركن رغيفًا لا يسد الرمق، ومسنون يقاومون بأجسادٍ نحيلة انقضاض الجوع والبرد والقهر.

فالجوع في غزة ليس مجرّد أزمة غذاءالجوع في غزة ليس مجرّد انعدام للطعام، بل هو فعل قسريّ لإخضاع شعبٍ تحت الحصار والتجويع.

إنه جوع الكرامة، جوع الأمان، جوع العدالة المفقودة.

إنه السؤال الكبير الذي يُحرج ضمير العالم الحر، كيف يموت الإنسان من الجوع في القرن الحادي والعشرين، وتحت سمع وبصر أممٍ تدّعي التحضّر والديمقراطية وحقوق الإنسان؟

المشهد في غزة لا يحتمل التأويل الأسواق خالية، المستودعات مدمّرة، المساعدات لا تدخل إلا عبر ثقوبٍ ضيّقة، والناس يقتاتون على البصل، والقمح المطحون يدويًّا، والذكريات.

الإنسان الغزّي، بطل صامت

رغم كل هذا، ما زال الغزّي صامدًا، مرفوع الرأس، يقاوم الجوع كما قاوم القصف.

الأمهات يخترعن الوجبات من اللاشيء، والآباء يخفون وجعهم خلف نكتة أو دعاء.

هناك في غزة، الإنسان لا ينهزم بسهولة، لكنه يتألم بعمق.

وفي كل عين دامعة، هناك حكاية، وفي كل معدة خاوية، صرخة، وفي كل طفلٍ جائع، وصمة على جبين هذا العالم المتخم.

ما يجري في غزة ليس مجرّد أزمة إنسانية، بل هو امتحان أخلاقي للعالم أجمع.

كل دقيقة تأخير في وقف هذا النزيف الإنساني تعني حياة تُزهق، وطفولة تُدفن، وضميرًا عالميًا يفشل في إنقاذ الإنسان من الإنسان.

غزة لا تطلب المعجزات، بل تطلب الخبز والماء والأمان، وتذكير العالم أن الصمت في حضرة الجوع  جريمة.

غزة لا تجوع وحدها، بل تجوّع معنا كل ما تبقّى من إنسانية.