المجاعة تجبر الغزيين على بيع مصاغهم الذهبي وإنفاق مدخراتهم

الغزيون، منهكون، مثقلون، مغموسون بتعب النزوح وويلات حرب الإبادة والقتل والجوع، يسيرون بخطى متثاقلة يبيعون ما تبقى من مصاغ ذهبي ويستنزفون ما لديهم من بقايا أموال كانوا قد ادخروها ليوم أسود وها قد جاء، يحاولون أن يجدوا ما يسد رمقهم لساعات فقط بأجساد أضناها الجوع ووجوه شاحبة كأن الحياة انسحبت من أجسادهم.
ففي غزة المكلومة الجريحة تبيع النساء مضاغهن لتوفير مصروف لعائلاتهن. فالأطفال في غزة لم يعيشوا طفولتهم وقد كبروا فجأة دون إنذار لهم بأن الجوع والفقر والعوز سترافقهم وترافق عائلاتهم، فآباؤهم لم يألوا جهدًا في توفير ما تيسر لسد جوع بطونهم، فظهرت عليهم ملامح المجاعة وعظامهم بدت ظاهرة. وفي غزة شباب وفتيات فات قطار العمر بهم ولم يتمكنوا من الزواج وبناء حياة حلموا بها منذ صغرهم، وفي غزة لم تعد قواميس اللغة قادرة على وصف ما يعيشون، ولكن كل أملهم أن القادم سيكون أفضل.
يقول المواطن فايز عواجة: «لقد أجبرتنا الظروف الصعبة وحياة الضنك التي نعيشها على بيع ما لدينا من مصاغ ذهبي، بعد أن استنفدنا أموالنا التي كانت بالنسبة إلينا «تحويشة العمر» التي سنتكئ عليها في قادم عمرنا، من أجل أن نوفر لأولادنا وعائلاتنا الطعام والشراب خاصة رغيف الخبز الذي أصبح الآن عزيزًا ومكلفًا إلى حد لم يتصوره عاقل».
وتابع: «لقد استنفدنا ما لدينا من أموال ومضاغ ذهبي، ولم يتبق في حوزتنا إلا خاتم زواج أمي، فآثرنا بيعه والألم يعتصر قلوبنا، بعدما ذهبت ذكريات عمر طويل مع والدي والعائلة امتدت لخمسين عامًا كانت كفيلة بأن ترسم تاريخ عائلة».
«ببيع الخاتم سار في خلدنا وخلال حديثنا مع بعضنا شريط ذكريات أدمع قلوبنا قبل عيوننا، لكن لم يكن باليد حيلة، فنحن بأمس الحاجة إلى المال لشراء الطحين والأرز لنقتات لعدة أيام في ظل مجاعة أنهكت أجسادنا»، يضيف عواجة.
بينما تقول المواطنة أم علاء أبو عودة إن «المجاعة فاقت خيالنا وخيال البشر وتفكيرهم، ولم نجد ما يسد جوعنا وإن وجدناه فيحتاج إلى كثير من المال، بعدما ارتفعت الأسعار بنسب عالية جدًا تفوق في كثير من الأحيان عشرات أضعاف الأسعار الحقيقية، فقد بات سعر كيلوغرام الدقيق يتراوح بين 85-100 شيقل، وكيلوغرام الأرز يبلغ سعره أكثر من 75 شيقلًا، ونحن من أصحاب دخل محدود ولم يعد لدينا أموال لنشتري ما يسد جوعنا، فأُجبرتُ على بيع قرط ذهبي لأشتري به الدقيق لسد جوعي وجوع أطفالي بضعة أيام».
ولم يكن حال المواطن رمزي المدهون بأفضل من سابقه، فهو يعيش أيضًا كباقي الغزيين المجاعة والتشرد وحياة الخيام، ويشير إلى أنه كان يمتلك بضعة غرامات من الذهب كان قد ادخرها لتعليم أولاده في الجامعات، ولكن جاءت الحرب ومعها المعاناة والمهانة والجوع، ما أجبره على بيعها، ليتمكن من توفير مصروفات بناء الخيمة وقليل من الطعام والشراب لعائلته التي تعيش مع أكثر من مليوني مواطن بالقطاع المجاعة والتشرد.
بينما يقول برنامج الأغذية العالمي في بيان، إنه منذ 19 أيار/مايو الماضي لم يتمكن من إدخال سوى كميات محدودة من المساعدات المنقذة للحياة إلى غزة، مضيفًا أنه منذ «استئناف المساعدات» تم إدخال 700 شاحنة فقط مقارنة بـ600 شاحنة أو 700 كانت تدخل يوميًا.
وأضاف البيان أنه لدرء المجاعة يحتاج البرنامج إلى دعم سكان غزة بشكل منتظم وتلبية احتياجاتهم الأساسية من الغذاء، وأنه لا يزال الخوف من المجاعة داخل قطاع غزة مرتفعًا للغاية، مشددًا على أن دخول المساعدات يتطلب توفير طرق آمنة للقوافل وتسريع الموافقة على التصاريح وفتح المعابر