من بين التحديات الأزلية، التي تخيّم على الأردن، ما تفرضه الصراعات المحتدمة في الجوار، ولا أتحدث فقط عن اللجوء البشري، الذي يشكل تحديا خطيرا في كل مرة، يسعى الموت خلالها للنيل من شعوب عربية شقيقة، وغير عربية أيضا، ومن بين اللجوء القسري والهجرات التي أتذكرها شخصيا خلال العقود الثلاثة الماضية، اللجوء الفلسطيني المستمر، والذي يعتبر ملفا أردنيا معقدا، وما زال الأردن ومنذ أكثر من 70 عاما، يضم مخيمات لجوء فلسطيني، وبعيدا عن الحديث عن حقيقة رابطة الأخوة التي تجمع الشعبين بل الشعب الواحد المتماهي في المسير والمصير، يشكل اللجوء الفلسطيني تهديدا وجوديا للأردن، سيما وأن الأونروا بدورها أصبحت أداة ضغط على البلدان المضيفة للجوء الفلسطيني.. وكذلك اللجوء اليمني في تسعينيات القرن الماضي، والذي تلاه لجوء عراقي، وقبلهما لبناني، ثم لجوء سوري، وثمة عدة أشكال من اللجوء تعرض لها الأردن جراء أزمات دولية في أوروبا كأحداث حروب البلقان والتصفيات العرقية التي جرت على شعوب كالبوسنة والهرسك وغيرها، فعلاوة على هذه الورقة الضاغطة على مفاصل الحياة الأردنية اليومية، هناك إغلاقات حدودية، تخنق البلاد وتعطل الاقتصاد، وتبعث الشلل في علاقات كثيرة، بل وقد يغيب الأمن عن هذه الحدود، فتنمو تجارة الموت والعصابات والتخريب العابرة للحدود، ما يشكل تحديات أمنية متسلسلة، ولا يتسع المجال للحديث عن هذه المشاكل تفصيلا، لكنها مشاكل مستمرة، ممتدة، تؤثر على الأردن، حتى بعد استتباب الأمن في تلك الدول، فالأسواق تطارد زبائنها، واكتشفنا أكثر من مرة، بأننا فقدنا أسواقا كانت مستقرة، نصدر إليها مختلف إنتاجنا الزراعي والصناعي كما نصدر المهارات والكفاءات والأيدي العاملة، ونستقبل طلبة العلم .. كلها أسواق تبحث عن بدائل خلال حالات الإغلاق والحصار، ومع مرور الوقت تستقر هذه الأسواق الجديدة، كما حدث معنا مثلا في موضوع تصدير المنتجات الزراعية الأردنية، التي كان لها أسواق قديمة مستقرة في العراق، لكن مع أحداث الحروب والصراعات، وبسبب الإغلاقات، فقدنا بعض هذه الأسواق، لتحل مكاننا دول أخرى، كتركيا وإيران وغيرها..
شخصيا أؤيد أي عمل يستهدف الكيان الصهيوني المسخ، ولا أعترض مطلقا لو قامت كل الدول في كل العالم بتحرير فلسطين من قبضة هذا الاحتلال المجرم، وسلمت سواعد الحوثيين، لكن دعونا نعبر عن تبعيات هذا العمل على الأردن، فهو يشبه الإغلاقات السابقة التي فرضت على الأردن، دون أن يكون له ناقة أو جمل في الصراعات، ولأنني غير معني بحل مشكلة أمريكا وبريطانيا واسرائيل وغيرها من دول الاستعمار، التي تخدم شركات كبرى حول العالم، فلن أتحدث إلا عن تأثير مثل هذا الاشتباك على منفذنا البحري الوحيد، حيث نعلم جميعا بأن منفذنا البحري (العقبة 300 كلم جنوب عمان)، ممر ضيق، وهو الشريان الوحيد للنقل البحري، الذي ينقل السلع من وإلى الأردن، وأي صراع في البحر الأحمر ستكون عواقبه كارثية على الأردن، حتى وإن لم يكن الأردن طرفا في هذه الصراعات، حتى الحصار «المؤسف» الذي تعرضت له الشقيقة قطر، كانت له تبعات قاسية على اقتصادنا الأردني، لكن وزارة الزراعة ونظيرتها القطرية استطاعتا تجاوز هذه المشاكل مؤخرا، وازداد التبادل التجاري بين البلدين الشقيقين.
نشرت الحكومة أمس خبرا عن بعض الإجراءات التي تقوم بها حفاظا على حرية مرور وتدفق السلع من وإلى الأسواق الأردنية، والحفاظ على مخزون استراتيجي مطمئن من الغذاء ومدخلات الإنتاج، واستقرار الأسعار في أسواقنا، لكن قبل ذلك قامت وزارة الزراعة ببعض الإجراءات، وليس الأمر الداعي لهذا هو فقط الحضور الذهني النشط لهذه الوزارة، وحرصها على حرية تدفق ومرور السلع والغذاء للناس، بل لأن كثيرا من مجريات توفير الغذاء تقع ضمن اختصاص هذه الوزارة، حيث اتخذت وزارة الزراعة بعض التدابير كالإعفاءات لبعض السلع القادمة من مناطق بعينها من الاشتراطات، التي كانت تستنزف وقتا، حيث سيمتد هذا الوقت أكثر، لو بقيت الاشتراطات على حالها، وتم في الوقت نفسه تحويل أو «تطويل» وقت وطريق النقل من وإلى الأردن، وكذلك اتخذت بعض التدابير وإيقاف العمل ببعض بنود القانون، التي تحتاج لوقت أطول وتتطلب شهادات منشأ وركزت على صلاحية المواد الغذائية ومطابقتها للمواصفات الأردنية والدولية، وخففت من أعباء الانتظار والمراوحات.. وللحديث بقية فالظروف تتغير وتتطلب ضرورة المتابعة والقيام بإجراءات أخرى، وهذه واحدة من جبهات حروب الأردن، للبقاء والاستقرار والاستمرار.