الأردن .. ومدى ثباته .. كوطن

كل العالم مُنشغل هذا الأيام في الأردن ، والمخاطر التي تواجهه ، ومصيره الذي سيؤول اليه ، في ظل تحديات خطيرة داخلية وخارجية . أما التحديات الداخلية ، فهي الأخطر ، لأنه من البديهي عندما يتعرض الوطن لخطر خارجي ، يُفترض ان تذهب الحكومات — إذا كانت رشيدة ، وتُحسِن إدارة الوطن — الى تمتين الجبهة الداخلية ، ورَصّْ الصفوف ، كتهيئة لمواجهة الخطر الخارجي ، ومن الطبيعي اذا تم الإنصهار ، والتماهي مع الشعب فان فُرص المواجهة للخطر الخارجي تتعزز ، وحتى لو لم تُحرز نصراً  ، فعلى الأقل ستحد من آثار الخطر الخارجي . أما وطني الحبيب ، فمع كل الأسف فإن جبهتة الداخلية تكاد تكون متآكلة لدرجة مرعبة ، لأنها تفتقر الى كل العناصر التى يمكن ان تعمل على تعزيزها وتمتينها وتقويتها . 

 

أما الخطر الخارجي وهو موضوع المقال ، فكل المؤشرات تدل على انه قادم ، وانه سيكون مرعباً ، وسيطيح بالوطن ، وربما في مرحلة معينة سيلغيه وجودياً . فالعدو الصهيوني لم تغب مخططاته ، ولم ينحرف مساره عن تركيز أطماعه على إختطاف الأردن ، وإنهاء وجوده . لكن ذلك يتم وفق الرؤية الصهيونية التي تسير ببطء ، وقد تتعثر ، او تتأخر أحياناً ، تماشياً مع الظروف الدولية ، ومع التهيئة المطلوبة للبيئة الأردنية التي يعتبرونها بأنها شديدة العداء للصهيونية ، والتي تتمثل في القبائل الأردنية التي يصنفونها بأنها متماسكة وشرسة . 

 

وعليه ربما ان العدو ، لديه تردد في إختيار أي من الخطط التالية سيبدأ بها للإنقضاض على الاردن ، وهي :-  ١ )) الخطة الأولى :— التهجير القسري ل ( ١,٥ ) مليون فلسطيني الى الأردن لتغيير ديموغرافيته  ، مستندين الى إستراتيجيتهم الإحتلالية التي وضعت بمباركة ورعاية بريطانية ، وأطراف أخرى عربية ، بأنه لا وجود لدولة إسمها الأردن ، بل إن الأردن هو وطن الفلسطينيين . ولديهم من ينادون بذلك من الساسة والمفكرين الإستراتيجيين ، مستندين الى بعض المعطيات التي تعزز هذا التفكير وتتمثل بان التخلص من هذا العدد من الفلسطينيين سيعزز الأمن في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، فيثبِّتون أقدامهم فيها أكثر ، ثم ينطلقون للتوسع تجاه الأردن . كما ان التهجير سيربك الأردن ديموغرافياً خاصة عندما تصبح أكثرية سكان الأردن من أصول فلسطينية ، وسيسهل عليهم إشعال الفتن وزجهم في حروب أهلية .  ٢ )) والخطة الثانية :— تتمثل في الذهاب لتنفيذ ما تم الإتفاق عليه قبل أكثر من مئة عام برعاية بريطانية ، بأن كل الأراضي الواقعة غرب سكة الخط الحديدي الحجازي هي أراضٍ صهيونية ، وهم تواقون لتنفيذها ، لكن يرون ان الزمن الحالي ليس مناسباً لتنفيذ ذلك ، وان هناك العديد من العقبات الكأداء التي تحول دون التنفيذ .  ٣ )) والخطة الثالثة :— تتمثل في إتباع سياسة القضم على مراحل . وهنا تكون الأولوية لإحتلال الأغوار الأردنية ، ولأنها منطقة ساقطة عسكرياً لابد من إحتلال سلسلة الجبال الأردنية المطلة على المناطق الغورية ، وهنا تتعزز أوضاع العدو العسكرية . 

ومن متابعاتي المتواضعة أرى ان الكيان سيدمج بين الخطتين الأولى والثالثة . لأنه بتهجير هذا العدد من فلسطينيي الداخل والضفة ، سينتج عنه خفضاً للمواجهات مع الفلسطينيين ، كما ستتعزز الجبهة العسكرية للعدو بالتخلص من هاجس ضعف جبهتهم العسكرية في الأغوار . بعدها سيتم الإنقضاض على الأردن لإنهائه وجودياً ، ومحو إسمه من على خارطة العالم . 

وقد يقول قائل : أنني أطرح هكذا أموراً ، وكأن العدو يستفرد في الأمور ، وأنه هو الفاعل الوحيد على الساحة ، وان الأمر لا يمكن ان يصل الى هذا الحد ، وأن الأردن في المقابل لدية أوراقاً قد يلعبها في الوقت المناسب . أقول : ان هذا الكلام صحيح جزئياً ، وانه لا توجد دولة في العالم تواجة خطراً ما الا ويكون لديها أوراق قوة وضغط تلعبها في الوقت المناسب . لكن  من أخطر نقاط الضعف التي تعتري الموقف الأردني بداية هي تخلخل ، وتزعزع ، وهشاشة الجبهة الداخلية لأسباب عديدة الكل يعرفها جيداً ، والمقال لا يتسع لطرحها . ثم أن بعض الأوراق التي يمتلكها الأردن ليست بالقوة التي يمكن ان تثني العدو او تردعه عن تنفيذ مخططاته إطلاقاً ، وفي أقصى مدى تأثيراتها فإنها ستزعج العدو إزعاجاً فقط ، وفي أحسن الأحوال قد تؤدي لتأجيل مخططات العدو ، لكنها لن توقفه او تجبره على تغيير مخططاته او العدول عنها ، وأُشبهها بلكمة صبي على وجه مصارع ضخم ، فلو لَكَمَ صبياً  مصارعاً ضخماً على وجهه سيزعجه نعم ، لكن تأثير الصفعة سيزيد من شراسة المصارع ليسحقه بضربة قاضية واحدة . 

والسؤال الأهم : ماذا عسانا فاعلون أمام هذا الخطر الداهم الذي يهدد وطننا وجودياً !؟ أتمنى بداية ان تنتهي أُحادية القطبية التي تتحكم في العالم ، وتحمي وتدعم العدو في تنفيذ كل مخططاته العدائية ضدنا . لأن أي ضعف يطال امريكا تحديداً سيصيب  العدو في مقتل . ثم على الصعيد الداخلي لا بد من الذهاب وباقصى سرعة الى إتباع نهج ديمقراطي حقيقي  ، ليصِح الوطن ، ويتعافى وضع المواطن ، ويتعزز الإنتماء الحقيقي للوطن ، ويتم التخلص من كافة العملاء الداخليين الذين رهنوا الوطن للأعداء ويسهِّلون الأمور لتنفيذ مخططاته . كما أرى ضرورة  تدريب وتسليح الشعب بأكمله أفراداً وجماعات وقبائل ، لتصبح  أرض الوطن معادية للعدو لما بعد الإحتلال اذا تم لا سمح الله . كما أرى ضرورة ان يُقدِّم الأردن الدعم الكامل للجماعات الفلسطينية حديثة النشأة في الضفة ، مثل : عرين الأسود ، كتيبة جنين ، ومساندة الشعب الفلسطيني في الداخل على نشوء حركات أخرى ، لتزيد من كُلفة الإحتلال . 

الوطن في خطر حقيقي داهِم . داعياً الى عدم الإلتفات لدعوات المسؤولين الذين يقولون بأن القادم أجمل ، فهم يَحرِفون الوطن عن مساره ،  وهم ليسوا أكثر من أدوات يمهدون لما هو آت . 

متضرعاً لرب العباد ان يُعجِّل بتفكك هذا الكيان من الداخل لأنهم مجتمع متناقض ، متنافر ، متآكل ،  متناحر . ثم علينا ان نعتبر ان كُل الصهاينة عُتاة ، مجرمون ، طامعون ، وأن لديهم إستراتيجيات ثابتة يعملون بكل طاقاتهم لتنفيذها . لكنهم ربما يختلفون أحياناً بآليات التطبيق لكن الهدف واحد . فلا رابين أفضل من نتنياهو ، ولا بن غفير أشرس من شامير او مناحيم بيغن ، ولا شارون أعتى من غيره . والإ من زَرع الكيان !؟ ومن وسّعه !؟ ومن بنى المستوطنات !؟ ومن قضم الأراضي الفلسطينية !؟ ومن هجّر ، وقتل ، وسجن !؟ ومن هدم بيوت الفلسطينيين !؟ ومن .. ومن !؟ بالتأكيد ليس واحداً منهم عمل كل هذا ، بل كل واحدٍ منهم أدى دوره في خدمة الصهيونية في زمانه وموقعه .