موسم، المرحوم علي القرم،

د. ضيف الله الحديثات 
في مثل هذا الوقت، من عام ٢٠١١م اعتقد ذلك، ترددت عليَّ سيدة تشكو ضيق اليد، ولم يمض على وفاة زوجها عام، في الوقت الذي نجحت فيه ابنتها في التوجيهي، فكانت َامنية الاسرة تدريسها في الجامعة. 

في اليوم التالي، حملت السيدة وابنتها بسيارتي، واخبرتها انني اعرف شخصا محترما كما كنت اتصور، يمتلك جامعة أو هو من أكبر المساهمين فيها لا أعرف بالضبط، قلت لها  "خلينا نقصد الله ونروح عليه هذا يساعدنا" دخلنا على مكتبه الفاره، شرحت له موضوع اليتيمة، ورغبتها في الدراسة في الجامعة، برسوم تناسب وضعها على أقل تقدير، بدأ "كرشهُ ينتفخ" وتمدد وجهه الأصفر، عندها طلب من الأرملة وابنتها تركنا، وقال لي "يا بنيي انت تصدق هذه النوعيات فكنا منهم" وهو يقهقه بطريقة مستفزة!! 
قلت له يا ابا فلان  وهو لم يصبح "دكتور" بعد "عندك باب وعند الله الف باب" خرجت من عنده غاضبا. 

 وما ان ركبنا السيارة، حتى تذكرت موقفا حصل يوما معي، مع الدكتور محمد المجالي، الذي كان عميدا في جامعة الزيتونة، حصل وهو يهمُ بشرح قصيدة عمان، لحيدر محمود التي غنتها نجاة الصغيرة. 

اتصلت باخو خضرة فورا، قلت له بدي ادخل الجامعة بالسيارة، اتصل بالامن على البوابة، السيدة وابنتها معي، وانا لا أعلم أين سأذهب داخل الجامعة، توقفت أمام الرئاسة، واذا برجل مسن كما يظهر، حركتهُ ثقيلة، يصعد درج الرئاسة المحاذي للشارع، سألت عنه رجلا من أمن الجامعة،  قال هذا ابو إيهاب، قلت من هو أبو إيهاب، قال علي القرم مالك الجامعة، عندها أسرعت الخطا ومشيت بجانبه، عرفته على نفسي، قلت له نحن ضيوف عليك، قال اهلا وسهلا،  ادخلنا على أول مكتب صادفه، وجلسنا معا على طاولة اجتماعات صغيرة. 

قال تفضلوا كيف اخدمكم، شرحت له ظرف السيدة وابنتها، قال لي هؤلاء  نحن يجب أن نصل لهم ونساعدهم، اخرج مبلغا ماليا وسلمه للسيدة، وقال احضري أوراقها كاملة غدا وسجلي، الجامعة جامعتك، ولن نقصر معك، حاولت أن تقبل يده لكنه رفض بشدة. 

الفتاة، بعد سنوات تخرجت من الزيتونة، وعملت في مؤسسة حكومية، وتزوجت كما علمتُ، ولسان حالها وأسرتها يقول يا رب كن مع ابو إياد أينما حل وارتحل. 

ترددتُ، بعدها كثيرا على الرجل، وكل مرة احمل طلبا او حاجة لناس، وعرفت من الجميع انه لا يرد صاحب حاجة، وقالوا بداية كل فصل دراسي، هو موسم جديد لزيادة الدعم منه لطلاب العلم، في الوقت الذي أوجد فيه آلاف فرص العمل في مشاريعه الاستثمارية، بالإضافة للزيتونة ام الجامعات الخاصة، درس على حسابه مئات الطلاب، وأعطى بعيدا عن الاضواء والبحث عن الشهرة. 


لم يسخر الموظفين في شركاته او العاملين في الجامعة، من مدرسين وغيرهم، واعلاميين ومواقع إلكترونية ايضا، لنشر صوره وصور أبنائه، في الندوات والمؤتمرات، كما لم يتعاقد مع كتاب مقالات، يكتبوا وينشروا باسمه كما يفعل البعض!! كانت تجارة القرم مع الله ومن اجل الاردن. 

المرحوم ابو إيهاب، يبكيه الفقراء، ويتوجد عليه طلاب العلم والمعرفة، اختاره الله لجواره قبل ما يقرب من عامين، ايام الحظر، حيث غاب عن تشييعه  الألاف بسبب كورونا اللعينة،  لكن كان الله رفيقه، وهو الحي الذي لايموت. 

ونحن في بداية الفصل دراسي، اتذكر هذه الشخصية الأردنية الفذة التي تعطي دون منّة،  اقول، أن أسرته التي لا أعرف منها احد، لكنها تستحق التكريم من لدن جلالة الملك، لدور والدهم الكبير في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وسيرها على نهجه، باغاثة الفقراء والمحتاجين، بدون Show.