كتب أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية أ. د. ليث كمال نصراوين:
أعلنت وزارة التربية والتعليم قبل أيام نتائج امتحان الثانوية العامة "التوجيهي" لهذا العام، حيث تعتبر هذه المرحلة مصيرية في حياة كل طالب على مقاعد الدراسة. فنتيجة هذا الامتحان هي الأداة التقييمية الوحيدة التي يتم الاستناد إليها لإلحاق الناجح بمؤسسات التعليم العالي، واختيار التخصص العلمي محل الدراسة الجامعية.
ونظرا لأهمية هذه المرحلة التعليمية التي يتأثر بها سنويا مئات الآلاف من الطلبة وأسرهم، فقد جرى تنظيم إجراءات عقد هذا الامتحان وإعلان نتائجه بموجب تشريعات خاصة، وردت ابتداء في قانون وزارة التربية والتعليم رقم (3) لسنة 1994 وتعديلاته، الذي ينص في المادة (29) منه على أن تجري وزارة التربية والتعليم امتحانا عاما للطلاب في مناهج التعليم الثانوي الشامل، على أن منح الناجح فيه إما شهادة الدراسة الثانوية العامة مبينا فيها نوع التخصص، أو شهادة الكفاءة المدرسية.
وقد أحالت هذه المادة كافة الأمور المتعلقة بعقد هذا الامتحان إلى نظام خاص يسمى نظام امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة، على أن يتم تحديد المواد والمستويات الدراسية المطلوبة لشهادتي الثانوية العامة والكفاءة المدرسية بموجب تعليمات خاصة يصدرها الوزير المعني.
وتبقى الإشكالية الأبرز في المادة (30) من القانون ذاته التي تنص على أن "تعتبر قرارات الوزارة المتعلقة بإجراءات الامتحان العام ونتائجه قطعية، ولا تخضع للطعن أمام أي مرجع قضائي أو إداري". فالتساؤل مدار البحث يتعلق بمدى اعتبار إجراء امتحان الثانوية العامة وإعلان نتائجه المرتبطة بمنح شهادة الثانوية العامة قرارات إدارية قابلة للطعن أمام المحاكم الإدارية المختصة، ومدى قانونية تحصين هذه القرارات من رقابة القضاء الإداري.
إن عملية إجراء امتحان الثانوية العامة وإعلان النتائج النهائية تعتبر أعمالا مادية تحضيرية لا تنشئ بحد ذاتها آثارا قانونية، وإنما يترتب عليها صدور القرار عن وزير التربية والتعليم بمنح شهادة الثانوية العامة من عدمها. وهذا القرار الوزاري بدوره يعتبر قرارا إداريا بطبيعته نظرا لتوافر كافة الشروط التي حددها القضاء في القرار الإداري، وذلك لغايات الطعن به أمام المحاكم الإدارية.
فالقرار الإداري كما استقر عليه الفقه والقضاء هو إفصاح الإدارة عن إرادتها النهائية الملزمة بما لها من سلطة بموجب القوانين والأنظمة، وذلك بقصد إحداث أثر قانوني معين متى كان ذلك ممكنا وجائزا قانونا، وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة. فهو عمل قانوني نهائي صادر بالإرادة المنفردة والملزمة لجهة الإدارة العامة استنادا للتشريعات الوطنية، بهدف إنشاء أو تعديل أو إلغاء مركز قانوني ما، ولأجل تحقيق المصلحة العامة.
فمن خلال إعمال العناصر الواردة في هذا التعريف، يكون القرار الذي يصدره وزير التربية والتعليم بالاستناد لأحكام المادة (29) من القانون بمنح شهادة الثانوية العامة من عدمها، قرارا إداريا باعتباره قد صدر عن سلطة إدارية وطنية وبإرادتها المنفردة وبهدف ترتيب آثار قانونية. بالتالي، لا يُقبل تحصينه بأي شكل من الأشكال من رقابة المحاكم الإدارية.
وعليه، فإن كان تفسير المادة (30) من قانون التربية والتعليم يقوم على أساس توفير حماية من الرقابة القضائية لكافة قرارات الوزارة المتعلقة بعقد امتحان التوجيهي وإعلان نتائجه وما قد يمتد ذلك إلى قرار الوزير المعني بعدم منح شهادة الثانوية العامة، فإن هذا الحكم له ما يخالفه ويلغيه في المادة (5) من قانون القضاء الإداري رقم (27) لسنة 2014 التي تنص على أن تختص المحكمة الإدارية دون غيرها بالنظر في جميع الطعون المتعلقة بالقرارات الإدارية النهائية، بما في ذلك الطعون التي يقدمها أي متضرر المتعلقة بإلغاء القرارات الإدارية النهائية، ولو كانت محصنة بالقانون الصادرة بمقتضاه.
فالقضاء الإداري يختص بالرقابة على القرارات المتعلقة بمنح شهادة الثانوية العامة باعتبارها قرارات إدارية، حتى ولو كان قانون التربية والتعليم قد أضفى عليها نوع من التحصين التشريعي. فقانون القضاء الإداري هو قانون خاص بالنسبة للقرارات التي تختص المحكمة الإدارية بالرقابة عليها، ومن شأنه أن يُلغي أي نص قانوني يضفي حماية على أي قرار إداري من الطعن بعدم مشروعيته أمام المحاكم الإدارية المختصة.