تصادف في الحادي والعشرين من هذا الشهر الذكرى الرابعة والتسعون لانعقاد مؤتمر السلط التاريخي الذي يعدّ أول خطوة فعلية وحقيقية لتشكيل إمارة شرق الأردن ، فبالأمس وصل هربرت صموئيل مدينة السلط قادما من فلسطين وبرفقته خمسون خيالاً ونام عند أحد شيوخ السلط ، وكان عدد كبير من شيوخ ووجهاء العشائر الأردنية قد وصلوا المدينة أمس وحلّوا ضيوفاً على أهلها .
أكثر من خمس مئة شخصية أردنية التقوا صبيحة هذا اليوم في ساحة كنيسة الروم الكاثوليك ، القى فيهم صموئيل خطاباً أعلن خلاله عدم رغبة بريطانيا بضمّ وإلحاق شرق الأردن تحت الإدارة البريطانية في فلسطين والإعلان كذلك عن تأسيس ثلاث حكومات محلية في كل من السلط وعجلون والكرك .
كانت السلط حينها تمتلك حراكاً وطنياً ووعياً سياسياً بنوايا الإنجليز في المنطقة ، وحينما وعد المندوب السامي البريطاني الحشود الموجودة بتسخير الجهود لإقامة مشاريع خدماتية وصحية وتعليمية في البلاد الأردنية ، هبّ بوجهه زعماء السلط رافضين الوجود الأجنبي في بلادهم ، وخاطبه محمد الحسين ونمر الحمود قائلين : بعد أن خلصنا من ابراهيم باشا ومن المحتلين الأتراك نرفض بتاتاً العودة الى الإستعمار من جديد ، فلا تركيا ولا بريطانيا من بعد اليوم ، نحن نريد حكماً عربياً ، فأبرقوا يومها الى الشريف حسين في مكه لإرسال أحد أنجاله ليتسلمّ مقاليد الحكم في البلاد .
وبعد قيام الإمارة بدأت المدينة وأهلها يستقبلون اللاجئين السياسيين الفارين من ظلم الإستعمار في بلدانهم ، فحضر اليها الثوار والسياسيون والمثقفون القادمون من بلدان الجوار ، فاستضافهم أهل السلط وأكرموا وفادتهم معزّزين مكرّمين .
وفي عام 1928 شهدت مدينة السلط وبقية المدن الأردنية مظاهرات صاخبة ضد الاستعمارين البريطاني والفرنسي للمنطقة العربية ، وتزعم هذه المظاهرات عدد من وجهاء ورجالات المدينة ومناطقها المجاورة ، الذين لم يتوانوا لحظة واحدة عن مساندة ومناصرة القضية الفلسطينية بالمال والسلاح والمقاتلين والشهداء ، وطالبوا بريطانيا بوقف الهجرة اليهودية وإعطاء فلسطين استقلالها .