نضال البطاينة
انطلاقا من خبرتي العملية في التخطيط وتطوير الأداء المؤسسي وتحديدا في القطاع العام لأكثر من عقدين، وخبرتي المتواضعة كوزير للعمل لقرابة السنتين، ومعرفتي بمتلازمة الفقر والبطالة في بلدي، اعتقدت للوهلة الأولى أن موضوع توصية اللجنة الوزارية بإلغاء وزارة العمل مجرد إشاعة، إلا أنني دهشت عندما تأكدت أنها حقيقة، ولكن لله الحمد فإن هذه الحقيقة ليست نهائية بعد أن علمت أن هذه التوصية لم تعرض بعد على مجلس الوزراء.
إذا فنحن الآن أمام دراسة أرغب بمناقشتها في سطور وتساؤلات ولكم الحكم:
في العادة تبنى الدراسات على مدخلات، مثل المقارنات المعيارية مع دول تشبهنا وهذا من الأبجديات، فهل تم ذلك من قبل اللجنة؟ لا اعتقد ذلك لأني مطلع على حكومات تلك الدول وأهمية وزارة العمل بها بمختلف مسمياتها، كما لم يصدف بأن كان نظيري عندما كنت وزيرا للعمل وزير للداخلية مثلا او وزير تعليم عالي او وزير صناعة وتجارة، لا بالاجتماعات الثنائية ولا خلال حضوري للمؤتمرات.
كما أتساءل، هل تم الرجوع الى دراسات واستراتيجيات سابقة؟ فهل تم الرجوع الى الاستراتيجية الوطنية للموارد البشرية مثلا والتي كنا نتغنى بها وكنا نعمل جاهدين على تنفيذها بمتابعة ملكية حثيثة وحكيمة حيث وجه جلالة الملك الحكومات المتعاقبة بتنفيذها والتركيز عليها. ألم تطلع اللجنة على تلك الاستراتيجية ودور وزارة العمل المحوري بها؟ وتجدر الإشارة الى أن أبرز القائمين على تلك الاستراتيجية وزير التربية والتعليم العالي الحالي الذي أحترمه وأرجوه من خلال هذا المنبر أن يدافع عن الاستراتيجية عند طرح الموضوع على طاولة مجلس الوزراء.
كما أتساءل، ألم تطلع اللجنة على دراسة مجلس الموارد البشرية بقيادة وزارة العمل كون مخرجات التعليم يجب أن يتم ربطها بمتطلبات سوق العمل؟
وأتساءل، ما هو مصير هيئة تنمية المهارات المهنية والتقنية والتي يجلس بمجلسها اضافة الى الرئيس وهو وزير العمل كل من وزير التعليم العالي ووزير التربية والتعليم ورئيس هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي ورؤساء المجالس القطاعية، تلك الهيئة التي من المفترض أن ترفع سوية المهنة والحرفة بوضع معايير لمزودي التدريب والمناهج والمدربين وفق احتياجات القطاع الخاص وبالتالي اصدار تصريح مزاولة المهنة للعامل على ضوء اجتيازه لامتحان وفق أعلى المعايير.
ماذا بالنسبة للجنة الحد الأدنى للأجور والتي تتمثل بها الحكومة وصاحب العمل والعامل، وماذا بالنسبة للجان النزاعات العمالية؟ هل ستقوم بهذا الدور وزارة الداخلية ام وزارة التعليم العالي؟ وكيف؟ وما المنطق؟
ماذا بالنسبة للفروع الانتاجية التي يتم فتحها بجيوب الفقر، هل ستتابعها وزارة الداخلية علما بأنها توظف آلاف المواطنين معظمهم من الإناث.
إن هذه الوزارة أثبتت أنها وزارة سيادية بامتياز وقت جائحة كورونا حيث قام كادرها بالدوام على مدار ٢٤ ساعة في كافة الايام والعطل الاسبوعية والاعياد نجم عنها حل حوالي ٧٩ ألف شكوى عمالية تلقتها الوزارة، بالإضافة الى انفاذ اوامر الدفاع والحفاظ على العمال وحمايتهم وهذا يتعلق بالسلم والأمن المجتمعي.
الم تعلم اللجنة الموقرة أن وزارة العمل هي التي وضعت أكثر من عشرين دليل ارشادي لمختلف انواع المنشآت خلال جائحة كورونا حدت من تفاقم الوباء في المولات والمتاجر والمصانع والبنوك. الخ؟ أين ستذهب وحدة السلامة والصحة المهنية التي وضعت تلك الأدلة؟ الى وزارة الداخلية ام التعليم العالي وكيف؟ وما العلاقة؟
كيف سيتحقق التوازن بين أصحاب العمل والعمال وما ضمانة عدم ترجيح الميزان لكفة أصحاب العمل حيث ان تشريعات العمل والعمال في جميع دول العلم وضعت لمصلحة العامل قبل صاحب العمل.
ماذا بالنسبة للاتفاقيات الدولية المبرمة؟ ماذا بالنسبة للعلاقة مع منظمة العمل الدولية واجتماعاتها الدورية؟ هل سيحضرها وزير داخليتنا ام وزير تعليمنا بين وزراء العمل من جميع دول العالم؟ لقد حضرت هذا المؤتمر العالمي ولم اقابل وزير داخلية هناك ولم اصادف وزير تعليم او صناعة وتجارة. ما المبرر لنكون الاستثناء الوحيد في العالم؟ هل تفكيرنا وتخطيطنا يتفوق على جميع الدول؟
هل اعتقد معدي الدراسة أن دور وزارة العمل هو فقط عبارة عن اصدار تصاريح عمالة وافدة وعاملات في المنازل وضبط المخالف منهم ليخلصوا لهذه النتيجة بإلغائها؟
هنا أقول للجنة الموقرة، إن وزارة العمل تقوم بمهام عديدة معنية بتنظيم سوق العمل وشؤون العمال وحماية حقوقهم وحماية حقوق أصحاب العمل وتنفيذ برامج التشغيل وخدمات الارشاد المهني، وتسويق الكفاءات الاردنية واعطاء الاولوية لتشغيل الاشخاص من ذوي الاعاقة، بالإضافة الى انشاء فروع انتاجية في مختلف محافظات المملكة وهذا غيض من فيض.
ان هذه الوزارة تقوم بحوالي ٧٦ خدمة منها تسوية النزاعات العمالية، اعتماد مشرفي السلامة والصحة المهنية، التحقيق في حوادث واصابات العمل، النظر في دعاوى الأجور وغيرها.
كنت أتمنى كغيري رفع سوية وزارة العمل السيادية بامتياز لأن بطالتنا المزمنة لا تتعلق فقط بوضعنا الاقتصادي ولكن بالتشوهات في سوق العمل والحرفة والثقافة تجاه العمل والدليل اننا عندما شهدنا نمو اقتصادي استثنائي ارتفعت نسبة البطالة في ذات الحقبة الزمنية.
هذا ولكي أكون أكثر إيجابية وحتى يُفهم نقدي على أنه بناء ، أتقدم لحكومتنا الرشيدة ان ارادت الدمج بمقترح بنّاء لتقييمه وهو دمج وزارة العمل مع وزارة أخرى بدلا من الغاؤها وهي وزارة التنمية الاجتماعية لكي نعمل على تخريج القادرين على العمل من صندوق المعونة الوطنية الى سوق العمل بعد تأهيلهم على طريق التحول من الدولة الرعوية الى دولة الإنتاج ، وهذا يساعد في تكامل دور كل من صندوق المعونة الوطنية ومؤسسة الضمان الاجتماعي علما بأن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية موجودة في العديد من الدول وهو حل يناسبنا باعتقادي .
وفي الختام، فإنه ينتابني شعور قوي بأن وزارة العمل لن تلغى، وهذا يستند الى المنطق وثقتي بحكمة مجلس الوزراء رئيساً وأعضاء.
حمى الله الأردن والأردنيين في ظل جلالة الملك حفظه الله وولي عهده الأمين.