كتب أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية أ. د. ليث كمال نصراوين:
أثار قرار مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان بكف يد المفوض العام عن العمل مع اثنين من موظفي المركز جملة من التساؤلات القانونية حول ماهية هذا الإجراء والغاية منه، ومدى مشروعيته في ظل الوضع القانوني للمركز بأنه مؤسسة مستقلة ذات نفع عام، وذلك كما جاء في قرار الديوان الخاص بتفسير القوانين رقم (3) لسنة 2009.
إن كف اليد أو الوقف الاحتياطي عن العمل يعتبر من الأوضاع الوظيفية التي يمكن أن يتعرض لها الموظف العام أثناء عمله، حيث يهدف هذا الإجراء إلى إبعاده وبصورة مؤقتة عن أعمال وظيفته في حال توافر شروط معينة، دون أن يؤدي هذا القرار إلى إنهاء علاقته بالإدارة أو بالمرفق العام الذي يعمل به.
وقد أورد نظام الخدمة المدنية أحكاما تفصيلية توضح المقصود بكف اليد والحالات التي يجوز فيها للإدارة اللجوء إليه، حيث وإن كانت هذه القواعد القانونية تطبق على الموظفين العموميين الخاضعين لأحكام هذا النظام، إلا أنه يمكن من خلالها الوقوف على الفلسفة التشريعية لقرار كف اليد، ليتم سحبه على العاملين في القطاع الخاص، وفي المؤسسات ذات النفع العام كالمركز الوطني لحقوق الإنسان.
فالمادة (151) من نظام الخدمة المدنية قد حددت الحالات التي يتم فيها وقف الموظف عن العمل، وتشمل إحالته إلى المجلس التأديبي أو إلى المدعي العام أو المحكمة الجزائية لارتكابه مخالفة مسلكية، أو جناية أو جنحة مخلة بالشرف والأخلاق أو بواجبات الوظيفة. كما يمكن وقف الموظف عن العمل إذا حُركت بحقه شكوى لدى النيابة العامة أو المحكمة الجزائية المختصة.
فإذا صدر القرار النهائي عن المجلس التأديبي أو الحكم القضائي القطعي بتبرئة الموظف أو تقرر عدم مسؤوليته عما أُسند إليه من أفعال أو مُنعت محاكمته أو توفي قبل صدور القرار القضائي، فيستحق راتبه الأساسي كاملا مع العلاوات عن المدة التي أوقف خلالها عن العمل. أما إذا تقرر عزل الموظف بسبب الحكم القضائي الصادر بحقه، فلا يستحق أي جزء من راتبه الأساسي وعلاواته اعتبارا من تاريخ إحالته إلى المحكمة أو المدعي العام أو المجلس التأديبي.
فمن خلال هذه الأحكام، يتبين بأن قرار الوقف عن العمل يعد إجراء احتياطيا لصالح كل من الإدارة والموظف المعني، بحيث لا يتسبب استمرار الموظف الذي تدور حوله شبهات مخالفة القانون في القيام بواجبات وظيفته بشكل يحول دون قيام المجلس التأديبي أو الأجهزة القضائية بمهام عملها على أكمل وجه.
كما أن الوقف عن العمل لا يعتبر عقوبة تأديبية، وإنما مجرد إجراء احترازي يتم اللجوء إليه عند إحالة الموظف إلى الجهات التأديبية أو القضائية، مع ضرورة التأكيد على أنه إذا باشرت أي جهة قضائية إجراءاتها الجزائية فإنه يتعين على أي لجنة تحقيق أو مجلس تأديبي وقف مجريات التحقيق و/أو عدم مباشرته إلى حين صدور حكم نهائي قطعي في القضية الجزائية.
ونظرا للتبعات القانونية والمالية لقرار كف اليد، فإنه يثبت للشخص المعني الحق بأن يطعن به أمام المحكمة الإدارية باعتباره قرارا إداريا. فإذا ثبت للمحكمة المختصة أن الإدارة قد تعسفت في قرار كف اليد، وبأنها قد أصدرته لغايات انتقامية أو شخصية فلن تتردد في إلغائه. وبالنتيجة، يعود الموظف إلى عمله مع استحقاقه لرواتبه وعلاواته الشهرية عن الفترة التي جرى فيها وقفه عن العمل.
ويبقى التساؤل القانوني الأبرز حول الجهة التي تملك الحق في إصدار القرار بكف يد الموظف عن العمل، إذ يرى البعض وجوب أن يصدر هذا القرار عن الجهة التي قامت بالتعيين، وذلك تحت طائلة اعتبار القرار مشوب بعيب عدم الاختصاص.
إن هذا القول يتعارض مع الطبيعة القانونية لقرار الوقف عن العمل الذي لا يرقى إلى مستوى إنهاء الخدمات لكي يصدر عن جهة التعيين، وإنما هو إجراء مؤقت لا يقطع علاقة الموظف بالإدارة. وهذا ما سارت عليه التشريعات الأردنية عندما أناطت صلاحية كف اليد بجهات إدارية تختلف عن تلك التي قامت بالتعيين.
ففي نظام الخدمة المدنية مثلا، نجد بأن المادة (61/د) منه تجيز لرئيس الوزراء الموافقة على تعيين الموظف بعقد شامل لجميع العلاوات، على أن يثبت الحق للوزير بوقفه عن العمل، وليس لرئيس الوزراء الذي قرر تعيينه.
وكذلك الحال بالنسبة لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات الأردنية، إذ تنص التشريعات الخاصة بهم على أن تعيينهم يتم بقرار يصدره مجلس العمداء بناء على تنسيب لجنة التعيين والترقية، إلا أنه يحق لرئيس الجامعة أن يقرر كف يد أي عضو من الهيئة التدريسية إذا أحيل إلى المجلس التأديبي، أو إلى المدعي العام أو المحكمة الجزائية المختصة.
إن سلطة مجلس الأمناء في إصدار قرار كف اليد تستند إلى أن المركز الوطني لحقوق الإنسان يتمتع بالاستقلال المالي والإداري، وبأن أعضاءه معينون بإرادة ملكية سامية ومخولون بسلطتي الإشراف وإدارة شؤون المركز وفق أحكام المادة (13) من القانون. كما يكون المفوض العام مسؤولا أمام أعضاء مجلس الأمناء مسؤولية مباشرة عن تنفيذه لمهام عمله عملا بأحكام المادة (16/ب) من القانون. هذا ويتمتع مجلس الأمناء بسلطة البت في أية مسائل أو موضوعات لم يتم النص عليها في تعليمات الموارد البشرية، ومن ضمنها الوقف عن العمل، وذلك عملا بأحكام المادة (27) من تعليمات الموارد البشرية في المركز.
*