باتجاه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى رفع أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ قرابة عامين تدخل الأسواق دوامة جديدة من التقلبات .
المستثمرون سيكونون على موعد مع ثلاث الى أربع زيادات لمعدلات الفائدة بربع نقطة مئوية للمرة هذا العام ، والهدف المعلن كبح جماح التضخم الذي كشر عن أنيابه بزيادات قياسية للأسعار، فلم يعد مؤقتا وإنما علينا التعايش معه لفترة أطول خلال عام 2022 ، إذ تقارب مستويات التضخم في الولايات المتحدة 7%، وهي الأعلى منذ 40 عاما ، وتبعد النسبة كثيرا عن النطاق المستهدف قرب 2% ، الذي تتبناه البنوك المركزية عادة في سياساتها.
"الفيدرالي الأمريكي" سيبدأ في تقليص ميزانيته العمومية البالغة 9 تريليونات دولار تدريجيا ، وسينهي مشترياته من الأصول بشكل أسرع من المتوقع ، وهذا يثير التساؤل ما تأثير رفع الفائدة الامريكية على الأسواق وخصوصا المنطقة العربية؟!.
بداية، تلجأ البنوك الى خفض الفائدة عادة لدعم الإقراض وزيادة السيولة وتحفيز انفاق المستهلكين المكبوت، وكانت الفائدة الصفرية أو قربها ضرورة ملحة في ذروة أزمة كورونا ، لكن اختلالات واختناقات سلاسل الامدادات أدت الى ارتفاعات قياسية لأسعار السلع والخدمات وزيادات في تكاليف الشحن والتأمين والمواد الخام، وأسفرت هذه الضغوط عن تغذية عوامل التضخم . وهنا تلجأ البنوك المركزية عادة الى استخدام سلاح الفائدة لضبط إيقاع الأسواق وإزالة العوامل التي أدت الى ارتفاع الأسعار.
البنوك المركزية العربية والمرتبطة عملاتها بالدولار ستلجأ مضطرة الى رفع الفائدة رغم اختلاف دورتها الاقتصادية ، حيث تعاني كثير من دول المنطقة من تدني القوة الشرائية للمواطنين وارتفاع معدلات البطالة والفقر وتواجه ترهلا في هياكلها الإنتاجية.
مواكبة سياسات المركزي الأمريكي ليست اختيارية ضمنيا، ويعني رفع معدلات الفائدة العالمية الكثير للدول المقترضة التي ستكون أمام ارتفاع جديد لتكلفة خدمة الدين، وليس قيمة الدين نفسه ، كما أن المقترض الفرد سيكون أمام أسعار فائدة اعلى للاقتراض البنكي وخصوصا للآجال الطويلة ، وهنا نحن أمام نهاية وشيكة للقروض الرخيصة .
رفع الفائدة قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية على تمويل الأنشطة الاستثمارية والتوسعية للقطاع الخاص، ويهدد الانتعاش الاقتصادي المنشود ويزيد من خطر تحول رؤوس الأموال الى فرص بديلة أخرى بدلا من قنوات التحوط التقليدية ، وهنا على البنوك المركزية العمل على أن تكون إجراءات مواجهة التضخم النقدية والمالية مؤقتة وليس طويلة الأجل للحيلولة دون خنق الأسواق.