محمود المشارقة
يمكنك اليوم عبر هاتفك المحمول شراء فنجان قهوة أو دفع أجرة الليموزين.. لا داعي لحمل محفظة نقود وبطاقات ائتمان أو هوية أحوال مدنية أو رخصة سواقة .. كل ذلك متوفر فعليا في محفظتك الرقمية دون عناء.
الحديث عن هذه التحولات الرقمية كان ضربا من الخيال في الماضي، لكن العالم في ظل كورونا وما بعدها يشهد تحولات جذرية سرعت التحول الى "المجتمعات الرقمية" وخصوصا في الدول المتقدمة والصاعدة .
إصدار دينار رقمي سيكون بلا شك ضرورة حتمية في المرحلة المقبلة، وهذا الهدف يجب أن يعمل عليه البنك المركزي الأردني بشكل عاجل ودون تباطؤ، وعليه دراسة المتطلبات القانونية والاجرائية لهذا التحول بشكل شفاف.
مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يقود التحول نحو "الدولار الرقمي"، فقد أصدر نهاية هذا الأسبوع ورقة نقاش بحثية تتألف من 35 صفحة حول اصدار عملة بنك مركزي رقمية مدعومة من الحكومة . وسيجمع " الفيدرالي" الآراء حول ذلك حتى 20 مايو، في الوقت الذي يأمل القائمون على المشروع اصدار تشريع يصرّح بالعملة الرقمية في القريب العاجل .
الصين هي الأخرى بدأت المرحلة التجريبية لإطلاق اليوان الرقمي و"المركزي الأوروبي" لحق الركب باتخاذ قرار بإصدار اليورو الرقمي، وكذلك الحال بالنسبة لعدة دول اتخذت قرارا بمواكبة التكنولوجيا الجديدة وجعل العملة الرقمية رسمية، وهذا الاجراء بلا شك سيحسن نظم المدفوعات عبر الحدود، وسيزيد من الشمول المالي لشرائح المجتمعات المختلفة بشكل يحمي الخصوصية والتعاملات المالية ، والخلاصة هنا أن العالم أمام أنظمة دفع جديدة ووشيكة.
السؤال ما المطلوب أردنيا للتحول نحو الدينار الرقمي؟ نحتاج هنا الى جردة حساب ماذا قام البنك المركزي فعليا من خطوات لتعزيز الخدمات المالية الرقمية وتعزيز الأمن السيبراني للخدمات المالية، وتوطيد مفهوم الاستدامة المالية.
استراتيجية التحول نحو الدينار الرقمي يجب أن تتضمن برنامجا زمنيا واضحا لتطوير الخدمات المالية والتكنولوجيا المالية ، واجراء تحسينات على البنية التحتية لشبكة الدفع والأهم ضمان استخدام شرائح المجتمع للتقنية في تعاملاتهم عبر دراسة تخفيض أسعار الانترنت لتسهيل الدفع الالكتروني للافراد والفئات الأقل دخلا ، وتحسين الخدمات المصرفية المتخلفة عن الركب الإقليمي والعالمي حاليا ، ومن شأن هذا التحسين تقليل أعداد البنوك وفروعها وتحول خدماتها الى رقمية وهذا لا يعني الاستغناء عن موظفي البنوك وإنما تغيير طبيعة أعمالهم اليومية .
أخيرا تغيير الثقافة المالية والمصرفية لم يعد ترفا أو متطلبا فرعيا أو هامشيا، فالخدمات المصرفية تتطور بشكل هائل في العالم ، والمصارف الأردنية ما تزال تقوم بخطوات خجولة نحو تحسين خدماتها بداية من استمرار وجود طابور العملاء وبطء الموظفين ومزاجيتهم مع غياب التأهيل ، مرورا بتعقيدات فتح حساب بضرورة احضار فاتورة ماء وكهرباء ، وانتهاء باستقطاع مقابل مالي عن استخدام صرافات البنوك المنافسة أو الخصم من الحساب على الودائع المخفضة وهذه البيئة طاردة لثقافة الادخار . في المقابل أرباح هذه البنوك تفوق ما تقدمه من خدمات للأفراد وحتى الشركات ومسؤوليتها الاجتماعية معدومة لغياب القرار الحكومي في فرض حد أدنى مقبول لأعمالها وخدماتها .