فيصل تايه
البعض ممن يرهقون الأحلام بالعبث اليومي ، او ممن يستتر منهم في المخيّلة كجهرهم بما يؤلم الواقع والاحلام اللامنتهية ، وللاسف أن هؤلاء يتصرفون بعقلية ذات اتجاه واحد خاصة عند تلك المحطات والقنوات والمواقع الاخبارية الشغوفة بترتيب أولويات اهتمام المواطنين بما يتناسب ومصالحها وزيادة عدد قرائها ومتابعيها ، لا من أجل مصلحة الوطن ، آخذة على مبدأ نظرية "الشهرة" وجذب المشاهدين واستدراجهم ، وان كان ذلك على حساب الاولويات الوطنية ، وإن كان تأثير موادها الاعلامية المصوغة تلك "قصير المدى" ، إلى أنها تسهم في التضليل الاعلامي القوي السريع والمباشر على الجمهور المستهدف ، خاصة عندما يكون الأمر متعلق بهيئة حكومية أو قطاع خدمي أو وزارة سيادية بحجم "وزارة التربية والتعليم" ، وكأن منظومة التفكير الجمعي لدينا قد اجتاحتها هذه الأيام نمطية سلوكية مقلقة ومستحدثة ، نشأت مع الاستخدام اليومي لوسائل التواصل الاجتماعي ومتابعتها لمحطات الفضاء المفتوح الواسع ، فباتت القرارات او التصريحات من لدن ايه جهة حكومية او أي مسؤول بالدولة يلقى ما يلقى من تسخيف وعبث وابتذال الكتروني او مرئي دونما رقيب او حسيب .
ومع ما برز من تحديات فرضتها جائحة كورونا على القطاعات المختلفة كان اهمها قطاع التربية والتعليم وما استوجب اصدار القرارات "على أهميتها" والتي هدفت بالأساس الى الموازنة ما بين الصحة والتعليم ، وان كان ذلك يتوقف عليه مستقبل جيل كامل في تحصيل المعرفة والبناء التعلمي للناشئة ، وتثمين جهود المعلمين " فرسان الميدان" واصحاب الفضل العظيم في تجاوز مجمل العقبات ، إلا أنه يجري التعامل مع الموضوع بمنتهى التسخيف والتسطيح والابتذال ، خاصة ما يصدر من عقليات ونفسيات لا تتعامل الا بالتهكم والتهريج والانتقاد ، فنحن أمام حرب شعواء مدخلاتها ومخرجاتها تقود وللاسف لتشكيل ثقافات مغايرة لوعينا الاجتماعي الجمعي وقيمنا الاردنية الأصيلة .
ما دفعني للحديث "في الحقيقة" ، ما يحصل من تسطيح لقضايانا الوطنية التي تحتاج الى قرارات مدروسة في ظل تطورات الحالة الوبائية اليومية ، خاصة ما يصدر عن وزارة التربية والتعليم "تحديداً" فالشغل الشاغل للبعض هو تقصد ايقاع الجهات المسؤولة في الدولة بارباك متعمد ، بل ومن اجل الصاق تهمة "عبثية القرارات" جزافاً والقيام بتلك المهمة الكيدية خير قيام ، فقد لاحظنا بالفترة الأخيرة وخاصة وسط الكثير من التنظيرات والتي من السهل فيها بث الدعايات المغرضة وكيل الاتهامات بقصد او بغير قصد ، في محاوله من "البعض" لاضعاف القرارات والتشكيك في مصداقيتها وتحريفها ومشاغلة وزارة التربية والتعليم عن اولوياتها ، ذلك بأدوات باتت متداوله ومعروفة تصدر على شكل "مفرقعات إعلامية" تطلق على صفحات ووسائل التواصل المتاحة او من على شاشات محطات التلفزيون المعروفة ، لخلق أزمات مفتعلة ومتعمدة وتقليب الرأي العام وتضليله بتلفيقات لا تنتهي ولا تهدف إلا التشكيك بكل ما جميل في هذا الوطن المعطاء .
ان ظاهرة استهداف وزارة التربية والتعليم ونشر الاراء المعاكسة لها ، والترصد باستمرار لما يصدر عنها من توجيهات وقرارات وإجراءات هي تعدٍ صارخ على مؤسسة حكومية وعلى اعرافها وقوانينها ، فكل ما يبث ضد هذه المؤسسة الوطنية مرفوض ومناف للحس بالمسؤولية الاخلاقية والقيمية ، فالقرارات الصادرة عن هذه المؤسسة الوطنية ليست قرارات "عبثية" ولا قرارات "فردية" ، بل هي قرارات مستندة إلى مرجعيات قانونية وعبر القنوات الرسمية وبمؤسسية خالصة ، ضمن إجراءات اجماعية من لجان متخصصة بالاستناد والاستعانة برأي الجهات الحكومية الرسمية ذات الاختصاص ، فلا يمكن ان تخرج في ذلك عن مشورتها ، ومن يمتلك عكس ذاك من المعلومات والدلائل القاطعة ليترجل ويقدمها للجهات الرقابية المسؤولة ، اما من يحاول استخدام اجناداتة المتلونة فلا بد من تطبيق التشريعات الجزائية التي تعاقب بوضوح تلك الأفعال ، ولا بد من تفعيل الإجراءات ليحاسب من يقوم بحملات تشويه سمعة المسؤولين والوزارات والدوائر الرسمية واستهداف الاشخاص ممن هم في موقع المسؤولية ، خاصة من يستغل ظرف الجائحة ويشيّع ويروج للشائعات بأنواعها ، لا بل ويجب علينا أن نسعى إلى ايجاد وثيقة أخلاقية وفكرية مهمة لتنظيم العلاقة بين المجتمع ومؤسسات الدولة المختلفة ، فمن حق المجتمع ان يعيش حياة كريمة آمنة مصان بها حرية التعبير ، دون المساس بالقيم العليا ، لكن للاسف فهناك فئة تقوم على استخدام ادواتها المحرضة من اجل الاستخدام الضار ، وبناء أجندة مشوهة ومشبوهة ضد الاردن والاردنيين .
وبالنظر إلى هذا الموضوع و"على أهميته" فلم تعد وزارة التربية والتعليم وحدها المستهدفة ، لذلك يجب الالتفات الى ما يحاك ببعض مؤسسات الدولة ، والانتباه جيدا الى ضرورة ايجاد استراتيجية عمل وطني ، بالحاجة الى التوسع في إدخال مفاهيم التعامل الرشيد في مؤسسات ووسائل الدولة المختلفة باستخدام منصات التواصل الاجتماعي ، ومواقع الأخبار الإلكترونية ومحطات التلفزة المنتشرة ، بل والدعوة إلى ميثاق وطني صريح يجد حداً للادعاءات والتحريضات بدعوى "حرية التعبير" وملاحقتها وتعريه مروجيها ، والتي مضمونها التدليس المستمر ، خاصة ممن يستهويهم تلوين الوقائع وتحريفها في محاوله منهم انتهاج خط التشنيع الواضح باشاعاتهم وشغفهم الغريب ، دون البحث عن حقائق الأشياء واسبابها الحقيقية من مكامنها ودون استيعاب أي نوع من العبث هذا الذي يمارس في تشويه صورة جهاز حكومي تربوي سيادي عمره من عمر الاردن ومحاولات المساس بابنائه الغر الميامين ، ومن يسعى في هذا الأمر إلى نهاياته قد يرى حقيقة أمره وغلوه المفضوح في التعرض لبعض الرموز ، وفي إشاعة كثير من زبد الأقاويل حولها عبر جدل دعائي ما هو إلا سراب .
وأخيراً ، لنتقي الله في أنفسنا ونبتعد عن اية شرذمات مقيتة بدعوات مشوهه ، وسواء أكانت تلك موجه من عدمها ، ما يستدعي حملة من مدخلات الوعي من مثقفين وإعلاميين وقانونيين واستخدام منظومة الدولة لكل اداوتها في حرب مضادة باعتبار ذلك ينطوي على مخاطر استراتيجية لا تقل مستوياتها واثارها وسلبياتها عن الازمات المعقدة ، والتوترات المقلقة .
بقي ان اقول ان المعيار الحقيقي هو مقدار ما يعطي الإنسان لهذا الوطن وليس بمقدار تحقيق المكتسبات على حساب الوطن ، ولا ننسى قول رسولنا الكريم : " فتنةٌ عمياء صمّاء عليها دعاة على أبواب النار، فأنْ تموتَ وأنت عاضٌّ على جَذْلِ شجرة خيرٌ من أن تَتْبَعَ أحداً منهم".
والله المستعان
مع تحياتي