التطعيم الإجباري لكورونا وفيلم ‏Don't Look Up

شيء مذهل استمرار النقاش حول فعالية التطعيمات المضادة لكوفيد-19، فمعارضو التطعيم يرون أنها مؤامرة، ويشككون فيها. أقرب وصف للحالة التي نعيشها هي فيلم نيتفلكس الذي بثته المنصة مؤخرا  Don't Look Up .

 

لن أحرق تفاصيل الفيلم، ولكن ما سأقوله هو واضح من الفيديو الترويجي، فحتى مع وجود نيزك يقترب من الأرض ويوشك على إفناء الجنس البشري، نجد مجموعة من الناس يشككون فيه، ويريدون من الآخرين أن لا ينظروا للأعلى، كما نجد من لا ينفون وجوده، ولكنهم يشككون في خطورته ويرون أنه يمكن التلاعب به وتفتيته للحصول على ما به من معادن تساوي المليارات!

النيزك في الواقع هو جائحة كوفيد-19، والأطباء والعلماء ومخترعو اللقاحات يحذرون البشرية ويخبرونهم أن ينظروا إليها ويتعاملوا معها، عبر تلقي اللقاحات واتباع إجراءات الوقاية. أما أصحاب نظرية المؤامرة فيرفضون الاعتراف أصلا بكوفيد-19، ويرون أنه غير موجود، ويرفضون لقاحاته التي يزعمون أن ستغرس شرائح إلكترونية للتحكم بالبشر!

كل تأخير في التلقيح يعني استمرا الجائحة وظهور المزيد من السلالات وموت المزيد من الناس. ولا غرابة أن العديد من دول العالم بدأت بالسير بشكل حثيث نحو فرض إلزامية التلقيح وجعله إجباريا، فرافضو التلقيح إن تركناهم سيهلكون أنفسهم ويهلكوننا معهم.

رافضو التطعيم ينطبق عليهم الحديث النبوي الشريف " مثل القائم في حدود الله، والْواقع فيها كمثل قوم اسْتهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسْفلها إذا اسْتقوْا من الماء مروا على منْ فوْقهمْ، فقالوا: لوْ أنا خرقْنا في نصيبنا خرْقا ولمْ نؤْذ منْ فوْقنا. فإنْ تركوهمْ وما أرادوا هلكوا جميعا، وإنْ أخذوا على أيْديهم نجوْا ونجوْا جميعا"، رواه البخاري.

إن لم نأخذ على أيدي رافضي اللقاحات سيهلكون ونهلك جميعا.

في ألمانيا أكد وزير الصحة كارل  لاوترباخ، أن فرض التطعيم ضروري رغم أن مخاطر الإصابة بمسارات خطيرة لكورونا عبر المتحور "أوميكرون" أقل، وقال: "عدوى أوميكرون لن تجعلك بالضرورة محصنا ضد متحورات الفيروس المستقبلية. الاعتقاد بأن متحورأوميكرون هو نهاية الجائحة هو اعتقاد ساذج"، وفقا لدويتشه فيلله.

وأعرب لاوترباخ عن أمله في أن يتم حماية المجتمع بشكل جيد نسبيا من خلال التطعيم الإلزامي، وقال: "يجب ألا نجد أنفسنا بعد الآن في وضع يكون فيه الصيف جيدا على نحو مخادع، ثم تفاجئنا متحورات جديدة في الخريف، وذلك بدون تلقيح الغالبية العظمى من السكان. لأن كل شيء سيبدأ بعد ذلك من جديد".

وفي فرنسا قال الرئيس إيمانويل ماكرون، منتصف ديسمبر إنه من المحتمل أن يصبح لقاح كوفيد-19 إلزاميا في فرنسا في نهاية المطاف. ولكن قبل أيام قال "أريد حقا أن أنغص على غير الملقحين حياتهم. وبالتالي، سنواصل القيام بذلك حتى النهاية. هذه هي الاستراتيجية".

وتساءل وقتها: "كيف يمكن تقليص عدد المواطنين الذين يرفضون تلقي اللقاح؟ مجيبا "بتضييق الخناق أكثر عليهم. أنا ضد تضييق الخناق على الفرنسيين. بالعكس كل يوم أدافع عنهم عندما يعانون من مشاكل إدارية. أما بالنسبة لغير الملقحين، فرغبتي تضييق الخناق عليهم".

وأضاف ماكرون: "لن أضعهم في السجن، ولن أقوم بتلقيحهم بالقوة. وبالتالي يجب أن نقول لهم: اعتبارا من 15 كانون الثاني/يناير، لن تتمكنوا من الذهاب إلى مطعم، ولن تتمكنوا من تناول قهوة في مقهى، أو الذهاب إلى المسرح أو السينما، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية.

وقبل أيام أعلنت إيطاليا أنها ستفرض التطعيم الإجباري على من تجاوزت أعمارهم الخمسين، لتكون واحدة من بضع دول أوروبية اتخذت خطوات مماثلة في محاولة لتخفيف الضغط على النظام الصحي وخفض الوفيات، وفقا ليورو نيوز.

العالم يتجه نحو التطعيم الإجباري، وكل تأخير في التطعيم يعني المزيد من الأرواح البريئة التي ستزهق. إنه النيزك الذي يتقدم بسرعة كبيرة نحو عالمنا، وإن لم نرفع رؤوسنا إلى السماء وننظر إليه ونواجهه، سنموت جميعا.

د. أسامة أبو الرب

خبير السياسات الصحية