قد يبدو هذا الموضوع غريباً . وقد يتفاجأ كثيرون ، ويستنكرون ، ويستغربون ان يتم طرحه مني قِبلي شخصياً ، وانا معروف عني انني صاحب فكر قومي ، لا أقبل المهادنة فيه . وهنا أود ان أؤكد ، على ان وحدة الضفتين ، كانت لعنةً ، ووبالاً على فلسطين والأردن . في ذاك الزمان ، كان التآمر على الوطن العربي بعامته ، في أوجه ، وكان تركيز الأعداء على تهويد فلسطين ال ٤٨ ، في مقدمة الإهتمام ، مع وضع سياسات توسعية بعيدة المدى بنظرةٍ فَطِنة ، غادِرة للضفة الغربية ، والضفة الشرقية .
يقول بعض أصحاب الفكر ، انه لو لم تتم وحدة الضفتين ، لتسنى إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية بكامل ترابها ، وهذا يُعقِّد ، لا بل لا يَسمح بإختفاء دولة عضو في الأمم المتحدة من الوجود . وانا اتفق تماماً مع هذا الرأي ، لأن الأمم المتحدة ، واغلب دول العالم ، ربما تسمح لدولة ان تقضِم جزءاً من دولة أخرى ، لكنها لا تسمح بشطب دولة قائمة وعضو في الامم المتحدة من الوجود .
وعليه أرى ان سعي الأردن ، في ذاك الزمان لضم الضفتين كان سبباً في ضياع الضفة الغربية وإحتلالها من قِبل العدو الصهيوني ، وأرى انه يرقى لمستوى الخيانة لفلسطين والأردن لا بل وأكثر من ذلك ، فان وحدة الضفتين قد جَرَّ الأردن الى الإنغماس في القضية الفلسطينية لتكون جزءاً من الخطة ، وسهّل قضم الضفة الغربية ، وزاد من شهية العدو لوضع الخطط والمكائد ، لاقحام الأردن في القضية ، وتسوية القضية الفلسطينية على حساب الأردن في يومٍ ما .
مع أنني عروبي ، وحدوي النهج ، ولن أحيد عنه الى ان أُفارق الدنيا . الا انني أرى ان من عمِلوا على وحدة الضفتين ، إما انهم جهلة سياسياً ، وسطحيوا التفكير ، ولا يفقهون شيئاً في دهاليز السياسة العالمية والإقليمية ، وان تفكيرهم ضحل ، لا يرقَ لمستوى تحمُّل مسؤولية إدارة دولة . أو انهم عملاء ، تابعون ، يُؤمرون فينفذون وهم صاغرون . وانهم قبضوا ثمناً اعتبروه مُجزياً ، وان تفكيرهم بقبض الثمن ، قد طغى على مصلحة الوطن والقضية .
لذلك أرى ان وحدة الضفتين ، لعنة ، ومصيبة ، وكارثة ، ووبالاً على فلسطين والأردن معاً . إنها كمن يضع السُّم في الدسم . فلا فلسطين نجت من الإحتلال ، ولا الأردن تمكّن من إقصاء نفسه عن شهية ، ونهم الإحتلال للتوسع . لا بل وتحفيز الإحتلال على التخطيط لإحداث إختلال في الأردن أرضاً ، وديموغرافيا ، ومقدرات ، لإستخدام الأردن كوسيلة وأداة سهّلت عليهم التخطيط لإبتلاع كل الضفة الغربية ، وإستسهال تفريغ ، او على الأقل تقليص عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية ، وحتى فلسطين ال ٤٨ .
وهناك أدلة اصبحت تظهر على السطح ، تؤكد صحة ذلك ، منها :— ١ )) إندفاع او إجبار الأردن على ربط مصيره بالعدو الصهيوني في مسائل حياتية إستراتيجية ، مثل شراء الغاز من العدو باتفاقية طويلة الأمد . ٢ )) وإتفاقية الإحتلال الصهيوأمريكي للأردن ، دون أية شروط ولا أية ضوابط ، ولا قيود ، حيث سمحت لهما الإتفاقية بإستباحة الأردن من أقصاه الى أقصاه ، وسيقيمون ( ١٢ ) قاعدة عسكرية ، ولن نعرف الداخلين والخارجين ، حتى لو كانوا كلهم صهاينة ، ولن نعرف لو مهّدوا لإحتلال الأردن ، او إخلال الأمن فيه ، حيث سيصبحون مثل سوسة النخيل تَقضِم اللُّب ، الى ان تنهار النخلة ، وانت تراها باسقة ، سامقة ، لكن إنهيارها يمكن ان يحدث في اي وقت . ٣ )) وها قد وقعنا في فخ صهيوني آخر ، بمقايضة مائنا بإحتلال صحرائنا لتوليد الطاقة الكهربائية للإحتلال ، ومن سطحيتنا ، إعتقدنا ان الإحتلال عاجز عن توليد الطاقة !؟ ونعتقد مخطئين ، ساذجين بانه بحاجة لمقايضتنا ، مع ان الهدف واضح بان هذا المشروع ليس اكثر من موطيء قدم للعدو . ونحن نعرف ان العدو الصهيوني ، يحترف قضم الأرض ، فهو يأخذ العبرة من السلاخ ، الذي يبدأ بمد طرف إصبعهِ ، تمهيداً لإيلاج كل اليد وسلخ جلد الشاة كاملاً عن جسمها .
سأكتفي مُجبراً بما وضحّت اعلاه ، لأنني أشعر ان ضغطي لن يحتمل هُزالنا ، أمام عدونا ، وإنقيادنا له ومساعدتنا له لتنفيذ سياساته الإحتلاليه التوسعية . وأختم بان وحدة الضفتين لم تكن لعنة واحدة ، بل لعنتين ، لعنة على فلسطين ، ولعنة على الاردن .