د. ليث كمال نصراوين
صوّت مجلس النواب قبل أيام على تحويل أحد الوزراء السابقين إلى هيئة النزاهة ومكافحة الفساد وذلك بحجة وجود شبهات فساد في عقود شراء الخدمات التي أبرمها خلال فترة تواجده في السلطة التنفيذية، حيث تعتبر هذه التهمة المسندة إليه – في حال ثبوتها – من الجرائم الناتجة عن تأدية وظيفته والمخلة بالثقة العامة، والتي يثبت الاختصاص في ملاحقتها لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد.
وقد جاء قرار التحويل إلى الجهة القضائية المختصة لإجراء التحقيقات اللازمة بالاستناد إلى النصوص الدستورية النافذة والقرارات التفسيرية التي أصدرها المجلس العالي لتفسير الدستور. فقد حصرت التعديلات الدستورية لعام 2011 صلاحية مجلس النواب بإحالة الوزراء إلى النيابة العامة، وذلك بعد أن كان المجلس يملك سلطة الاتهام، وهي الصلاحية التي تشمل التحقيق وجمع الأدلة باعتبارهما إجرائين لازمين لصدور قرار الاتهام، وذلك كما جاء في القرار التفسيري للمجلس العالي رقم (1) لسنة 1992.
كما جاء قرار مجلس النواب بتحويل وزير سابق إلى هيئة النزاهة متوافقا مع قرار المجلس العالي رقم (1) لسنة 1990 الذي وسّع من مفهوم الوزير لغايات إعطاء الاختصاص لمجلس النواب ليشمل الوزير العامل وغير العامل. وقد برر المجلس العالي قراره التفسيري في ذلك الوقت بالقول إن العبرة في ثبوت الاختصاص لمجلس النواب هي طبيعة الجرم المنسوب للوزير، بحيث إذا كان الفعل ناتجا عن تأديته وظيفته الحكومية فيكون التحقيق معه وإتهامه من صلاحيات مجلس النواب، حتى بعد تركه المنصب الوزاري. وقد استمر العمل بهذا الحكم بعد تعديل الدستور في عام 2011، الذي حدد صلاحية مجلس النواب بإحالة الوزراء إلى النيابة العامة.
إن تقرير الحق لمجلس النواب بمحاكمة الوزراء هو استثناء على الأصل العام الذي قررته المادة (102) من الدستور التي تنص بالقول إن المحاكم النظامية تمارس حق القضاء على جميع الأشخاص في جميع المواد المدنية والجزائية. ولهذا، فقد أوصت لجنة التعديلات الدستورية في اللجنة الملكية بتعديل المادة (56) من الدستور، بحيث يقتصر حق مجلس النواب على إحالة الوزراء العاملين إلى النيابة العامة دون السابقين منهم.
وقد بررت اللجنة الدستورية توصيتها هذه بأن الولاية العامة في تحريك دعوى الحق العام تكون للنيابة العامة والقضاء بأجهزته المختلفة، وأن الاستثناء الذي قرره المشرع الدستوري لمجلس النواب في مواجهة الجرائم المتعلقة بتأدية الوزير لوظيفته الحكومية يجب أن لا يتم التوسع في تفسيره وتطبيقه، وأن لا ينسحب على الوزير السابق لانتفاء الغاية من ذلك.
إن تعليق محاكمة الوزير العامل على صدور قرار من مجلس النواب يمكن تبريره في توفير الحماية للوزير أثناء عضويته في مجلس الوزراء من الشكاوى الكيدية التي ستعيق عمله وتؤثر سلبا على قيامه بواجبات وظيفته. إلا أن هذه الحجة لا يمكن أن تنسحب على الوزير السابق، الذي مهما تعددت أعماله ومسؤولياته الخاصة به، فإنه يجب أن يتساوى مع باقي المواطنين من حيث وجوب حضوره أمام الجهات القضائية المختصة في أي شكوى أو إدعاء يقدم ضده، وأن يدفع أمامها ببراءته أو عدم مسؤوليته.
إن اقتناع مجلس النواب بهذه الأسباب التي قدمتها اللجنة الملكية لتعديل الدستور من شأنه أن يعيد رسم اختصاص المجلس النيابي في مجال المسؤولية الجزائية للوزراء، بحيث يقتصر دور المجلس على إحالة الوزراء العاملين منهم دون الوزراء السابقين.