"أنا مستعد للتحالف مع الشيطان في سبيل الظفر بهتلر"، هذه العبارة التاريخية الشهيرة أطلقها ونستون تشرشل عند تحالفه مع عدوه ستالين قائد الاتحاد السوفياتي أثناء الحرب العالمية الثانية، رغم أنه كان دائم التحذير من ستالين وهتلر قبل ذلك.
اليوم؛ نعيش أزمة مياه، ونبحث عن مصادر لتأمينها، وهنا تلعب الجغرافيا الدور الأبرز في معادلة البحث عن المصدر، وأفضل المعادلات على الإطلاق هي القائمة على المقايضة.
لا شك بأن آخر ما نرغب به كعرب وكأردنيين، جميعا وبلا إستثناء، رسميين وغيرهم، أن نستجلب الماء من الجانب الاسرائيلي، لكن البراغماتية تحكم الموقف في سبيل النجاة والبقاء.
فقبل ذلك ثارت الأصوات ولم تستكن عند توقيع إتفاقية الغاز مع الجانب الإسرائيلي، وحقيقة المسألة التي لم تعد خافية على أحد أن إنقطاع الغاز المصري سابقاً عن الممكلة خلق أزمة جعلت الخيارات محدودة لاستدراك هذا العنصر الذي لا يمكن لدولة الاستغناء عنه لغايات الطاقة، وبالمقابل اضطرت الشقيقة مصر لشراء الغاز من الاسرائيليين كبديل عن المليارات التي حكم بها للأخيرين نتيجة مقاضاتهم الأشقاء بعد إنقطاع الغاز من أراضيهم، ولم يُقدِم الأردن على هذه الخطوة - التحكيم - فليس من عادته تكبيد أشقاءه للخسائر بل الوقوف إلى جانبهم في الملمّات والأزمات.
أما المياه، فلم يكن أمام الأردن من خيار سابقا سوى جعلها جزءا من إتفاقية وادي عربه، حيث أقيمت سدود الوحدة والكرامة لغايات استقبال المياه من الشقيقة سوريا لكننا وبكل أسف لم نحصل حتى على النزر اليسير من حصتنا، وهذا مثال آخر على مشكلة الموارد الطبيعية التي خلقتها العوامل الجيوسياسية والروابط التي لم يختر الأردنّ في يوم من الأيام أن يتعاطى معها بغير الإيجابية.
لقد عانينا لمدة قصيرة من شبح نقص حاد في المياه، ومررنا كذلك بتجربة انقطاع الكهرباء عن المملكة لساعات محدودة، وهذه أعصاب رئيسية لا يمكن أن تغفل الدولة عن التعاطي معها بحرص رغم الأخطاء الإدارية التي لا ننكر وجودها إستراتيجيا في هذه الملفات.
إنها مسألة مصالح بحتة، وهي أبعد من العواطف، فحتى تركيا تتعامل مع الجانب الإسرائيلي بواقع خمسة مليارات دولار سنويا وفق المعلن من حجم تبادل تجاري، وهناك العديد من الدول التي اختارت ان تفصل في لحظة معينة بين العلاقات السياسية وغيرها حفاظا على مصالح شعوبها ووجودها واستقرارها، وهذه الواقعية هي ما يحول دون الانزلاق في مغامرات غير محسوبة وخيمة الآثار والأضرار، والمرونة عكس التعنّت.
إن إنعكاس المشاعر على الأداء السياسي عامل ضعف لا قوة، فكم من دولة انقادت لحرب ضروس جراء سيرها بعاطفة نحو ذلك، وكم من دولة دفعت الاثمان الباهظة نتيجة ضياع لحظة كان عليها ان تغلّب مصلحتها فيها على أي اعتبار، فالمسألة تستوجب أحيانا التحالف حتى مع الشيطان لغايات النجاة والبقاء، وهذا كالدواء الذي يتجرعه المرء مضطرّاً لا مختاراً لينجو بنفسه من مهلكة.
قيل في الفقه " إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما "، وهذا ما يستدعي الواقعية لدى مطالعة اي موقف والحكم عليه.
نأمل أن نجد مصادر بديلة لسد حاجتنا من المياه بدلا من إستجرارها من الجانب الاسرائيلي، لكن إذا كان هذا الخيار الاوحد او الانسب فليكن.
والله من وراء القصد