الموازي في الجامعات الحكومية.. والتعليم للأغنياء فقط

أُقرت فكرة البرنامج الموازي في الجامعات الحكومية لأول مرة عام 1996، وذلك بعد عجز الحكومات عن القيام بواجبها  بتقديم الدعم المالي للجامعات الحكومية.
ورغم عدم دستورية الفكرة وتعارضها مع أدنى حقوق أبنائنا بالتعلم، ومعارضة أهل الخبرة والاختصاص، الا أن إصرار الحكومات على تطبيقها والاستمرار بها وتحميل عبء سوء إدارتها المالية للمواطن، لا زال هو القائم مع الاستمرار بالعجز الاداري والارادي اتجاه دعم الجامعات الحكومية وعدم  البحث أو المحاولة حتى لإيجاد مصادر دخل أخرى بعيدة عن جيب المواطن والمساس بحقوق أبنائه بالتعلم.
وقد وقعت الحكومات المتعاقبة ولازالت بالمحظور عندما زجت بالمؤسسات التعليمية الحكومية بمنافسة مادية مع القطاع الخاص، حاصرة نفسها بنظرة مادية ضيقة ومحدودة أدت إلى التعامل مع التعليم كسلعة ومع الطالب كمصدر دخل، مما يتجه لفرض فكرة خصخصة التعليم كأمر واقع وحاجة اقتصادية مصطنعة، وهذا كله يتعارض ومفهوم الدولة وميثاق الحقوق والواجبات المنبثق من الدستور.
لا خلاف أن هناك تزايداً في الإقبال على التعليم الجامعي الأكاديمي، مما يولّد مشكلة حقيقية بقدرة الجامعات الاستيعابية والكلف التشغيلية، لكن الحل لا يكون بأي حال من الأحوال بالنزوح إلى فكرة الاستثمار من خلال استغلال رغبة الأهل والأبناء بمواصلة التعلم ما بعد الثانوية العامة، ولا يكون أيضاً بأي حال من الأحوال بالانسحاب الحكومي من عقد واجباتها مع المواطن من جهة والمؤسسة التعليمية من جهة أخرى من الانفاق على الجامعات الحكومية وتحميل كامل الكلفة للطالب.
إن برنامج التعليم الموازي بفكرته المادية الضيقة حتى لم يُحدث أي تحسين على الخدمة الجامعية المقدمة لأبنائنا الطلبة لا بالشكل ولا المضمون، بل كرس حالة من الحنق الطبقي، وتبريرا هشّاً لتخلي الحكومات عن واجبها في دعم الجامعات الحكومية مخالفة بذلك أسس الواجبات، ومتجاوزة على أدنى قواعد العدل في التنافس. 
وفكرة تعويض الجامعات من جيب المواطن ما أخفقت الحكومات بتسديده لها من إيرادات كافية لاستمراية عملها والحفاظ على جودة المحتوى التعليمي والخدمة المقدمة للطالب، بحاجة لاعادة نظر وحكمة ووعي ونظرة مسؤولة تحافظ على الإنسان اولاً الذي يفترض أنه أغلى ما نملك، وذلك من خلال البحث عن بدائل وإيجاد مصادر تمويل حقيقية ومستدامة، وذلك لتمكين العدالة في التنافس على أساس الميول والقدرة المعرفية والأكاديمية لا على أساس القدرة والملاءة المالية.
فمن المعروف بلا خلاف أن التعليم حق دستوري وفق الفقرة الثالثة من المادة السادسة من الدستور والتي تنص على أن : 
"الدولة تكفل العمل والتعليم ضمن حدود إمكانياتها وتكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع الأردنيين”، وعليه فإن برنامج التعليم الموازي مخالف للدستور ووجب ايقاف العمل به للطلبة الأردنيين وتوفير التعليم المدعوم لهم إن لم يكن مجانيّاً فعلى الأقل بأسعار رمزية تتناسب ووضع عامّة المواطنين وتقضي على الفروق الماديّة بينهم.
نتفق جميعاً على أن التعليم حق وليس منحة، وأنه من أدنى حقوق أبنائنا لبناء نهضة حاضرنا ومستقبلنا، والحكومات مسؤولة عن تحقيقه من خلال خططها وبرامجها.
ولا يجوز بأي حال من الأحوال التعذر بالظرف الاقتصادي الصعب الذي تمر به مملكتنا الحبيبة والذي ندركه ونقدره، ولن ندخل في نقاش حول الأسباب التي أوصلتنا لهذا الوضع، لكننا بنفس الوقت ندرك أن هناك حلولاً ومخارج أخرى إن أردنا، تلبي وتحقق حق أبنائنا في التعلم وتطوير مهاراتهم وقدراتهم، وهذا لن يتحقق دون قيام الحكومات بواجبها في توفير ودعم المؤسسات التعليمية القادرة على استيعاب كل الراغبين من أبنائنا باستكمال تعليمهم الجامعي بعد اجتيازهم المرحلة الثانوية بنجاح يوافق أسس القبول الجامعي.
إن استثمار المواطن الأردني الحقيقي محصور في أبنائه تربية وتعليماً، واستثمار الوطن الحقيقي في الإنسان بناء وتكويناً، وهو ما يتعارض والاجراءات غير المحسوبة التي تقوم بها الحكومات وعلى رأسها برنامج الموازي، الذي أصبح الغاءه مطلباً وطنياً ومصلحة عامة.
نتفاءل ونتعاطى إيجاباً مع تصريحات معالي وزير التربية والتعليم والتعليم العالي، بالتوجه لإلغاء برنامج التعليم الموازي في الجامعات الحكومية ونتمنى أن يتاح لهذه التصريحات أن تتحقق بالتوازي مع خطة واضحة المعالم لدعم الجامعات الحكومية وتوحيد أسعار الرسوم الجامعية والساعات فيها بما يتناسب وحق أبنائنا بالتعلم ويحقق العدالة في التنافس بعيداً عن النظرة المادية.