تعديل وزاري

سلامة الدرعاوي

رئيس الوزراء الحالي الدكتور بشر الخصاونة يمتلك مثل سابقيه كامل الصلاحيات في تعيين واختيار طاقم حكومته، وهو لوحده من يتحمّل مسؤولية الاختيارات في تعديلاته الوزارية الرابعة على حكومته بين قوسين في عامها الأول، ضاربة بذلك رقماً قياسياً في التعديل.
جميع المصادر والجهات ذات العلاقة التي تراقب أداء حكومة الخصاونة تؤكد أن الخصاونة يفكر عميقاً في إجراء تعديل وزاري موسّع على حكومته قد يكون أشبه بالتغيير، والسبب في ذلك فقد الانسجام والتوافق داخل مجلس الوزراء، وعدم التوافق على مخرجات سياسية واقتصادية مهمة، جعلت من الرئيس في حالة من "العصبية” تسيطر على سلوكه مع الوزراء أثناء النقاشات والمتابعات لأعمالهم.
ملامح التعديل الوزاري هذه المرّة ستفرضها بعض الظروف القسرية من جهة، وأداء الوزراء خاصة أولئك الذين بدأ يصنفهم الخصاونة تحت ما يعرف بالأيدي المرتجفة وعدم القدرة على اتخاذ القرارات الجريئة والسير في تنفيذها من جهة أخرى.
الخصاونة بات بحاجة ملحّة لقيادة الفريق الاقتصاديّ المبعثر لديه، وإن الفريق لا يمكن أن يستقيم بهذا الشكل دون وجود رأس قيادي له، يكون هو وباقي أعضاء الفريق الاقتصادي الوزاري المعني بمثابة المطبخ الاقتصادي للدولة، وإزالة التشابكات الحالية بين الوزراء، وعدم التفاهم والتوافق في كثير من الجوانب، مما ساهم في كثير من الأحيان بتعطيل اتخاذ قرارات مهمة، وعمل عمليات تنفيذيّة لسياسات وإجراءات كانت من المفروض ان تكون على أولويات العمل الحكومي، فالانطباع الرئيسي على الحكومة ورئيسها أن حركتها باتت ثقيلة في عمليات التحرك لمعالجة التشوّهات والتفاهمات والشراكة مع القطاع الخاص الذي بات يشعر أنه يخوض معركته التنمويّة لوحده بعيداً عن الحكومة، لذلك أولى تحديات التعديل الوزاري القادم هو إيجاد شخصية اقتصادية وازنة تقود الفريق الاقتصاديّ نحو إدارة منسجمة لتحقيق هدف واضح بين الطاقم الوزاري المعني.
لكنْ هناك تحدياٍ آخر في التعديل الوزاري المرتقب وهو أيضا في الشأن الاقتصاديّ، ويتعلق تحديدا في أهم وزير بالحكومة وهو وزير الماليّة الدكتور محمد العسعس، فرغم نجاحاته الاستثنائية في قيادة السياسة الماليّة في أصعب الظروف والاستثناءات، وعدم رفعه لأي ضرائب أو رسوم خلال العامين الأخيرين، وقدرته الفائقة في توظيف علاقات الأردن السياسيّة، وتمكنه الشخصي لدى المنظمات والمؤسسات الاقتصاديّة العالمية في توفير مساحات ماليّة استثنائية للخزينة، مكنتها بنجاح من الوفاء بتسديد كامل التزاماتها الدخلية والخارجية وفي مواعيدها المنتظمة دون أي تأخر، إلا أن الوزير الشاب يرغب شخصيا بترك منصبه لعدم ارتياحه من غياب العمل المؤسسي مع الطاقم الوزاري، وسيطرة المزاجية والرغبة في التدخلات في السياسة الماليّة، ومحاولات تجاوز بعض الوزراء لقانون الموازنة العامة وهو ما يتصدى له الوزير العسعس باستمرار، فهو أولا وأخيرا المسؤول المباشر عن تطبيق قانون الموازنة.
وقد تكون رغبة وزير المالية بترك منصبه أبعد من الموازنة وتعقيداتها، فالأشهر الماضية أظهرت وجود قوى ضاغطة عليه من جهات مختلفة خاصة فيما يتعلق بالتهرّب الضريبي الذي يسجل للوزير وفريقه الضريبي أنهم أحدثوا نقلة نوعية غير مسبوقة في التحصيلات الضريبيّة وتوسيع قاعدة المكلفين، ومواجهة قانونية وإدارية، مع "هوامير التهرّب الضريبيّ” الذين بدأوا يتسللون للحكومة بأشكال مختلفة للضغط على وزير الماليّة لتشويه ما يقوم به من إصلاح مالي وضريبي على وجه الخصوص، ولعل قضية الدخان العائدة لأحد رجال الأعمال غير الأردنيين مثال حي على تلك التدخلات، رغم أن صندوق النقد الدولي حذر من أي تراجع في متابعة هذه القضية وإلا فإن على الحكومة توفير مخصصات مالية جديدة في برنامجها المتفق مع الصندوق بقيمة 150 مليون دولار على أقل تقدير، فالتدخلات لم تتسلل إلى شخصيات مهمة في الحكومة فقط، وانما أيضا يوجد تدخلات واتصالات خارجية من دولة مجاورة بشأن هذه القضية على وجه التحديد، وهنا سيكون الخصاونة أمام معضلة مزدوجة في هذا الأمر، أمام العسعس بالبقاء، أو البحث عن وزير يتابع ويكمل ما بدأ به العسعس.
باقي أركان التعديل الوزاري خاصة بالشأن المحلي ليست ذات أولوية بالنسبة للأشخاص، فالأساس هو الاتفاق على برنامج عمل اقتصادي، بغض النظر عمن يتولى الوزارة.
التعديل الوزاري المرتقب فرصة لرئيسها لإعادة الاعتبار لحيوية الحكومة وفاعليتها في استعادة التحرك الإيجابي تجاه القضايا الداخليّة المعلقة وخاصة الاقتصادية منها، فهل ينجح الخصاونة بذلك؟