د. ليث كمال نصراوين
أنهت اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية عملها وبانتظار أن يقوم رئيسها بتسليم مخرجاتها النهائية إلى جلالة الملك، لتبدأ بعد ذلك إجراءات إقرار هذه التوصيات وإخراجها إلى حيز الوجود. فمشاريع قوانين الانتخاب والأحزاب السياسية والتعديلات الدستورية سيتم الدفع فيها إلى مجلس الأمة، باعتباره صاحب الولاية الدستورية في إصدار القوانين وتعديلها، وذلك لكي يمارس رقابته التشريعية عليها وفق أحكام الدستور.
وقد أصر جلالة الملك على أن يحفظ للسلطة التشريعية دورها الدستوري وأن لا يتم التجاوز عنها، حيث فرض على اللجنة الملكية إطارا زمنيا معينا لإنهاء أعمالها وتقديم مخرجاتها إلى مجلس الأمة قبل بدء دورته العادية المقبلة مطلع الشهر القادم. وسيكون لمجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب مطلق الحرية الدستورية في مناقشة مخرجات اللجنة الملكية كما ظهرت في مشاريع القوانين المحالة إليه، وإجراء ما يراه مناسبا من تعديلات تشريعية يفترض بها أن تتوافق مع الرؤى الملكية التي عبّر عنها جلالة الملك في كتاب التكليف بتشكيل اللجنة الملكية.
إن مجلس الأمة سيكون صاحب الكلمة العليا في مراقبة ما صدر عن لجنة الأحزاب السياسية من مقترحات تتعلق بآلية تشكيل الأحزاب السياسية وكيفية ممارسة أعمالها والجهة المسؤولة عن متابعة شؤونها، والتي جرى اقتراح اسنادها إلى الهيئة المستقلة للانتخاب بدلا من وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية. كما سيضع مجلس الأمة يده على مقترح النظام الانتخابي الجديد الذي أوصت به لجنة الانتخاب، والذي يتمثل باعتماد القائمة النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة، والقائمة النسبية الحزبية المغلقة على مستوى الوطن.
ولهذه الغاية، فإن مجلس الأمة مدعو إلى التواصل مع أعضاء اللجان المعنية وتمكينهم من تقديم دفاعهم عن مخرجات اللجان الفرعية وتوصياتهم. فالنواب الحاليون لم يكونوا ممثلين في اللجنة الملكية، وعدد الأعيان الذي جرى اختيارهم لعضوية اللجنة محدود لا يكفي بحد ذاته لكي ينقل وجهة نظر أعضاء اللجنة الملكية إلى اللجان النيابية المختصة في كلا المجلسين.
كما تقع على الحكومة مسؤولية العمل مع مجلس الأمة لإقرار توصيات اللجنة الملكية. فعلى الحكومة اليوم أن تتبنى هذه المخرجات كأنها قد صدرت عنها، وأن تدافع عن مشاريع القوانين التي ستقدمها إلى مجلس الأمة كما سترد إليها من اللجنة الملكية. فضمانة جلالة الملك لمخرجات اللجنة الملكية يلزم الحكومة من ناحية دستورية بأن تعامل مشاريع القوانين التي اقترحتها اللجنة كأنها هي من اقترحتها. فجلالة الملك وفق أحكام المادة (26) من الدستور هو رئيس السلطة التنفيذية يمارس مهام عمله من خلال وزرائه وفق أحكام الدستور. كما تنص المادة (49) من الدستور على أن أوامر الملك الشفوية والخطية لا تعفي الوزراء من مسؤوليتهم. فما صدر عن جلالة الملك من ضمانات بأن تلتزم الحكومة بمخرجات اللجنة يعتبر شكلا من أشكال الأوامر الخطية التي تكون الحكومة ملزمة بتطبيقها، ومسؤولة عنها سياسيا أمام مجلس النواب والملك.
وسيشكل وجود وزير الشؤون السياسية والبرلمانية حلقة وصل بين الحكومة من جهة ومجلس الأمة من جهة أخرى. فهو كان عضوا في اللجنة الملكية وفي مكتبها التنفيذي، وكان متابعا عن قرب لجميع أعمال اللجان الفرعية ومخرجاتها. بالتالي، سيكون خير ممثل لأعضاء اللجنة الملكية أمام مجلسي الأعيان والنواب.
إن سرعة إقرار توصيات اللجنة الملكية من شأنه أن ينقل التحديث السياسي من مرحلة تشريع القوانين إلى تنفيذها على أرض الواقع.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية