لين .. بأي ذنب قتلت

لا يمكن وصف قسوة وبشاعة ما حدث للطفلة لين أبو حطب، والتي توفيت بعد عدم تشخيصها بالتهاب الزائدة الدودية في مستشفى البشير، والتي راجعته أكثر من مرة، قبل أن تنفجر الزائدة وتقضي بعد ذلك.

 

لا يوجد أي تبرير أو عذر لما حدث للطفلة لين، ورواية الأب محزنة، إذ يتكلم عن استهتار واهمال من قبل العاملين في المستشفى، حتى أنه اضطر لأخذ ابنته لطبيب خاص، والذي كتب في تقرير أنها تعاني من التهاب الزائدة، فحمله الأب لأطباء مستشفى البشير، الذين لم يلقوا له بالا، وفقا لرواية الأب.

يجب عدم استعجال الأحكام، ومن الضروري انتظار قرار التحقيق النهائي في القضية، ولكن ما حدث للطفلة لين يبدو متوافقا مع مشاكل كثيرة اشتكى منها المواطنون في مستشفى البشير عبر سنوات.

الخطوة الأولى -والتي قامت بها وزارة الصحة- هي التحقيق في القضية، وتحديد المسؤول، ويجب أن يتبع ذلك وتوجيه عقوبات رادعة، فلا تساهل في حياة الناس.

وهنا يتجدد الحديث عن ضرورة تفعيل المساءلة الطبية، بشكل يحمي حقوق المرضى، وفي نفس الوقت يحمي الأطباء. لأن وجود منظومة قانونية نزيهة وعلمية، تحمي الطبيب أيضا من أن يوصم او يتهم بالتقصير، فيما قد يكون ما حدث من المضاعفات الطبية التي لا بد أن تحدث في نسبة معينة من الحالات.

تفعيل المساءلة الطبية هو طوق إنقاذ وأمان، للمرضى والعاملين في القطاع الصحي.

الأمر الآخر الذي يجب أن تعمل عليه وزارة الصحة هو تطبيق بروتوكول للتشخيص والتعامل مع الحالات الطارئة مثل حالة لين، إذ أن موضوع التهاب الزائدة الدودية وانفجارها أصبحت قصة تتكرر، وقد يكون هناك خطأ في التشخيص، أو خطأ في الإرشادات السريرية التشخيصية التي يسير عليها الأطباء في أقسام الطوارئ مما قاد لهذه الكارثة.

لهذا من الضروري التأكد من تحديث إرشادات التشخيص، وإعطاء الأولوية للحالات التي قد تكون التهابا في الزائدة، بحيث يتم إدخالهم مباشرة للمستشفى أو العمليات، لا أن ينتظروا كما روى والد الطفلة لين، التي اضطرت للانتظار وهي تكابد الآلام.

على صعيد متصل، يجب النظر في المنظومة الصحية الحكومية بالكامل، والتي يعيش فيها الأطباء والعاملون ضغوطا كبيرا، مع ارتفاع عدد المرضى، وما يشكل ذلك من ضغط كبير عليهم.

من الضروري زيادة كادر العاملين في وزارة الصحة، لإتاحة فرصة للمرضى للحصول على خدمة صحية أفضل، وتقصير مدة المواعيد التي تصل في بعض الأحيان لأشهر، وفي نفس الوقت تخفيف الحمال على كاهل الأطباء والممرضين مما يتيح لهم تقديم أفضل تشخيص وعلاج.

وزارة الصحة الأردنية صرح طبي ضخم نعتز به ونفتخر، وجميع أبنائها من المخلصين والمتفانين في خدمة وطنهم وشعبهم، وهم إخواننا وأولاد عمومتا وأخوالنا وأبنائنا، وإن حدثت هناك حوادث تقصير فهي فردية، ومن الخطأ تعميمها على كافة أبنائنا وبناتنا المخلصين من الأطباء والصيادلة والممرضين والفنيين وجميع العاملين.

وحتى لا يحدث هذا التعميم يجب الوصول للحقيقة في وفاة الطفلة لين، ومحاسبة المقصرين بأقسى العقوبات، حتى يشعر المواطن بأنه أمين على حياته، وعلى حياة فلذات كبده.

وستكون كارثة أن تتم "لفلفلة" نتائج التحقيق، وتخطي الأمر، لان هذا سيعني ضياع حق لين وذويها، وحقوق الأطفال -والكبار- الذين سيموتون مستقبلا إذا لم يتم ردع الاستهتار والتقصير، من العاملين في القطاع الصحي سواء الحكومي أو الخاص.

حتى لا نخسر لين مرتين، يجب أن نحاسب المقصرين، ونفعل المساءلة الطبية، ونزيد كوادر وزارة الصحة ونتأكد من حصولهم على أفضل تدريب وإعداد.

رحم الله لين أبو حطب، وألهم أهلها الصبر والسلوان، وحفظ الله أطفالنا وأبناء وطننا جميعا.

 

د. أسامة أبو الرب

خبير السياسات الصحية