د محمد أبو رمان
تشارف اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في الأردن، التي شكّلها الملك عبد الله الثاني، قبل قرابة شهرين، على الانتهاء من مهمتها، كما هو متوقع في الشهر المقبل (سبتمبر/ أيلول). وعلى الرغم من تباين سقف التوقّعات بين القوى المختلفة، وعلى الرغمكذلك من الهجمات المتتالية التي تعرّضت لها اللجنة، فعلى الأغلب ستكون المخرجات معقولة ومعتدلة، ضمن ما تمّ الإعلان عنه من بناء "خريطة طريق" متدرّجة، زمنياً وسياسياً، وصولاً، في نهاية اليوم (بعد قرابة عشرة أعوام) إلى حكوماتٍ حزبيةٍ برلمانيةٍ برامجية.
تشي المخرجات الرئيسية بالوصول إلى قانون انتخاب جديد، يعطي مساحة مهمة للقوائم الحزبية (وسوف تكون العملية متدرّجة بنص القانون وصولاً إلى أغلبية حزبية في مجلس النواب خلال ما يقارب عشرة أعوام)، ويدمج الشباب والمرأة بصورة أفضل في العملين، البرلماني والحزبي، ويتحدّث بوضوح عن شرعنة عمل الأحزاب في المجال العام، ما يؤدّي إلى تطوير الحالة الحزبية وتعزيزها وانتشارها، لتكون قادرة على حمل مشروع الحكومة الحزبية مستقبلاً. وهنالك تعديلات وإصلاحات أخرى متعدّدة تصب جميعاً في مسعى تطوير البيئة السياسية لتستوعب المتغيرات والتحديثات الجديدة، المفترض أن تغيّر وجه المعادلة السياسية في البلاد خلال الأعوام المقبلة.
هكذا هي "النيات الملكية" والرسائل التي تأتي من الديوان الملكي، ومن أوساط رئيس اللجنة، سمير الرفاعي، وخطاباته، والذي يؤكّد، في لقاءاته الدورية مع القوى السياسية والشرائح الاجتماعية، على جديّة التغيير هذه المرة، وعلى أهمية تطوير الأحزاب والعمل البرلماني والسياسي، بل ومن الواضح من لقاءات الرفاعي مع قوى المعارضة المختلفة، بما في ذلك مجلس نقابة المعلمين (الذي دخل في أزمة شديدة مع الدولة منذ عامين تقريباً، وتمّ حله، ومحاكمة أعضائه سابقاً)، وحزب جبهة العمل الإسلامي ومجموعة من الشباب الحراكيين، أنّه يبعث رسالة قوية في أهمية الانفتاح السياسي وتغيير المناخ العام في البلاد وتعبيد الطريق أمام مخرجات اللجنة.
إلى الآن، مع عدم إنكار أزمات ومشكلات وعقبات وتحدّيات عديدة، يبدو المشهد جيّداً ومهيأ لإعلان مخرجاتٍ معقولةٍ على صعيد مشروع الإصلاح الديمقراطي، ومقبولةٍ من نسبة معتبرة من القوى السياسية والسياسيين، بخاصة التيار الإصلاحي الذي طالما مثّل هذه الفرصة التاريخية لتعزيز الحياة الحزبية.
لكن سؤال المليون: ماذا بعد أن يتم إعلان المخرجات وبعدما يتوارى الرئيس الرفاعي (الذي قاد هذا الفريق وقدّم تلك النتائج) وراء الستار؟ وبعد أن ينتهي عمل اللجنة الملكية وتسلّم أوراقها؟ هل ستحمل الحكومة فعلاً والتزاماً حقيقياً تلك النتائج، وتمرّرها (كما وعد الملك) إلى مجلس الأمة؟ وهل ستدافع الحكومة عن المخرجات بقوة وبالتزام حقيقي، أم ستتراخى في ذلك؟. الأهمّ من هذا وذاك يكمن في الرسالة السياسية التالية من الدولة بعد المخرجات؛ هل سيكون هنالك خطاب حازم واضح بالالتزام بخريطة الطريق أم سيكون هنالك تغليب مرة أخرى لخطاب التشكيك والتهوين من أهمية النتائج أو المماطلة في اعتماد ما طرحته ورقة "السياسات" من توصياتٍ واضحةٍ، في ما يتعلق بالمناخ السياسي والحريات العامة والحياة الحزبية؟
المحكّ الحقيقي، إذاً، لمصداقية اللجنة ومخرجاتها وللخطاب الإصلاحي، يتمثل في مرحلة ما بعد المخرجات، بخاصة أنّ هنالك نتائج وتوصيات عديدة للجان سابقة، كان مصيرها الأدراج ورفوف الأرشيف، ولم تؤدّ إلى تغييراتٍ حقيقيةٍ تذكر في الحياة السياسية.
بالضرورة، ثمّة اتجاه قوي في الأوساط الرسمية ومن قوى سياسية وشخصيات تقليدية محافظة سيعمل كماكنة فعّالة لمواجهة مخرجات اللجنة وضمان عدم تطبيقها، بذرائع متعدّدة واهية، كالقول إنّها قفزة في الهواء، أو إنّها تهدّد الهوية الوطنية أو إنّها تعطي القوة للإسلاميين والمعارضة، وهكذا دواليك، هي الفزّاعات ذاتها التي استخدمت تقليدياً وتاريخياً لممانعة الإصلاح والديمقراطية، وهي نفسها التي أوصلتنا إلى مستنقع الأزمات وفشل الآليات السياسية في تشكيل الحكومات و"حفرة الانهدام" بين مؤسّسات الدولة والشارع.
المعركة الحقيقية لمن يريد الإصلاح الديمقراطي في الأردن تبدأ غداة انتهاء عمل اللجنة الملكية، لأنّ الركون إلى الفراغ، وترك المجال لماكينة النخب المعادية للإصلاح، سيؤدّيان بالضرورة إلى إضعاف الإرادة والجدّية السابقة في تطبييق النتائج.