(10) معرض الصين الدولي الثالث للواردات.. نافذة أمل جديدة للاقتصاد العالمي
معرض الصين الدولي للواردات في شانغهاي هو أول معرض عالمي يركز على الاستيراد، والأول من نوعه الذي تشترط الدولة التي تقيمه أن تكون المنتجات مستوردة بنسبة مائة في المائة.
وبينما تركز البلدان الأخرى على تعزيز صادراتها وتوسيع نطاقها وفرض القيود وإعلاء راية الحمائية بوجه الاستيراد، فإن الصين تعمل على تنشيط الواردات وفتح سوقها أمام العالم الخارجي، وهي لو تعلم أكبر سوق عرفها التاريخ وشهدها الإنسان، سوق بسَعة مليار وأربعمائة مليون مستهلك، بينهم 400 مليون نسمة من أصحاب الدخل المتوسط.
وأن تقام الدورة الثالثة من المعرض في ظل الوباء وإجراءات الوقاية وتدابيرها الصارمة فهذا تحد آخر تخوضه الصين ووراءها نجاحها في التغلب على المرض وكبح جماحه بعد جهود شاقة وتضحيات جسام، وتثبت من خلاله إصرارها على مواصلة تحمُّل أعبائها وواجباتها تجاه المجتمع الدولي كدولة كبرى، وفيه أيضاً تأكيد على التزامها الثابت بالمضي قدماً في سياسة الانفتاح.
كما تضيء أملاً جديداً للدول الأخرى بضرورة استمرار دورة الحياة والخروج من حالة الركود الاقتصادي التي صاحبت الجائحة..
وها هي الدولة النامية الأكبر وصاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم تفتح الأبواب على مصراعيها، وتقول للجميع اغتنموا هذه الفرصة الذهبية، حيث من المتوقع أن تتجاوز قيمة البضائع والخدمات المستوردة إلى الصين 30 تريليون دولار أمريكي و10 تريليونات دولار أمريكي على التوالي خلال فترة الـ15 عاما المقبلة.
ومن المتوقع أيضاً أن تتجاوز القيمة التراكمية لواردات السلع في السنوات العشر القادمة 22 تريليون دولار أمريكي، حسب ما أعلنه الرئيس شي في كلمته بافتتاح المعرض.
والترحيب بحضور الشركات والمؤسسات من مختلف الدول دون تحفظ، وبينها شركات أمريكية كبرى، هو بالطبع رسالة أخرى توثق لالتزام الصين طريق التعددية والتجارة الحرة وعدم التمييز بين الدول..
وثمة عدة ملاحظات لافتة حول هذه الدورة:
أولاها، أن افتتاح المعرض يوم 4 نوفمبر، جاء عقب أيام قليلة من ختام الجلسة الكاملة الخامسة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، التي عقدت من يوم ال 26 إلى ال 29 من أكتوبر، وناقشت مقترحات اللجنة بشأن الخطة الخمسية ال14 للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية والأهداف طويلة الأجل لعام 2035م، حيث أشار البيان الختامي للجلسة إلى أن صياغة الخطة القادمة ستتضمن التركيز على نمط تنموي جديد، يهتم بالتداول المزدوج الذي يعني تعزيز دورة الاقتصاد المحلية من إنتاج واستهلاك مع عدم الانفصال عن الخارج تصديراً واستيراداً.
كما تشهد هذه الدورة مشاركة 50 شركة من المدرجة بقائمة "فورتشن" لأكبر 500 شركة في العالم، بالإضافة إلى عارضين دوليين بأعداد كبيرة، وعرض مئات المنتجات والتقنيات والخدمات الجديدة لأول مرة على مستوى العالم، وبينها معروضات تكنولوجية غاية في التطور، ما يتواكب مع ارتفاع مستوى المعيشة بالصين بشكل غير مسبوق، الذي أوجد بالتالي فئات جديدة من المستهلكين الراغبين في الحصول على سلع ومنتجات حديثة راقية إلى جانب السلع التقليدية المتميزة، وهذه فرصة جديدة لكثير من المصانع والشركات حول العالم..
كذلك يعد الاقتصاد الصيني هو الوحيد الذي سيحقق نمواً إيجابياً هذا العام في ظل تأثير الوباء، حسب توقعات صندوق النقد الدولي، والمعرض يوفر منصة مفتوحة وغير مشروطة أمام الاقتصادات الناشئة للنفاذ إلى السوق الصينية، لعقد الصفقات وإبرام العقود والاستفادة من هذا النمو.
ولو عدنا بالذاكرة قليلاً إلى الدورة الأولى في عام 2018م، لوجدنا في كلمة الرئيس شي جين بينغ تعبيراً واضحاً ومحدداً عن الهدف من إقامة مثل هذا المعرض، حيث أكد أن "مبادرة الصين لتوسيع الاستيراد ليست خياراً ناتجاً عن النفعية، ولكنها خطوة مستقبلية تهدف إلى احتضان العالم وتدعيم التنمية المشتركة".
أما خطابه في الدورة الثانية فجاء تحت عنوان:
"الانفتاح والتعاون لبناء مصير مشترك"،
داعياً الدول إلى عدم ترك مصالحها الخاصة تتجاوز مصالح البشرية.
وفي كلمته، التي ألقاها مساء الأربعاء عبر الفيديو في افتتاح الدورة الثالثة، أكد أن إقامة المعرض في موعده تعكس رغبة الصين الصادقة في مشاركة فرص السوق مع العالم وتعزيز انتعاش الاقتصاد العالمي، معلناً عن إجراءات وتدابير جديدة لتوسيع الانفتاح الشامل على العالم الخارجي ودفع التجارة الحرة وتدفق البضائع عبر الحدود وتحسين بيئة الأعمال في الصين بالنسبة للشركات والمؤسسات الأجنبية.
إن مباديء التعاون والمنفعة المتبادلة والفوز المشترك، التي تتبناها الصين ويؤكد عليها قادتها في كل مناسبة، تتجلى بوضوح في هذا المعرض، الذي يجسد مسئولية الصين كقوة كبرى في دفع انتعاش الاقتصاد العالمي وإعادة عجلة الحياة إلى دورانها الطبيعي رغم أنف الوباء.