صحيح أن الدين علينا تجاوز الناتج الإجمالي بثلاثة مليارات دينار، وصحيح ان الفوائد السنوية على الدين بلغت ضعف الأقساط، وصحيح أن 20٪ من الدين تم اقتراضه من أموال الضمان الاجتماعي، وصحيح ان نسبة البطالة تجاوزت 20٪ من القوى البشرية القادرة على العمل ان لم يكن اكثر ولكننا مع ذلك دولة غنية مترفة، أو بالأصح نتصرف كذلك مثلنا كدولة مثل مواطننا الذي يخفي نزوله تحت خط الفقر - كعيب اجتماعي بين الأهل والعشيرة - فيلجأ إلى الاقتراض والاقتراض حتى من المرابين.
فدولة غارقة في الدين تقوم بتنفيذ مشروع مثل ( الباص السريع) بكلفة تنفيذ ستتجاوز 200 مليون دينار وفاقد اقتصادي سيتجاوز مليار دينار ليست دولة فقيرة بل دولة مترفة او سيئة الإدارة كان بإمكان بناء مدينة إدارية كاملة الخدمات تنقل إليها كافة الوزارات ومعظم الدوائر الرسمية بنصف كلفة الباص السريع الذي سارع بافلاس وإغلاق عدد ضخم من متاجر العاصمة.
ودولة تزدحم في شوارعها آلاف سيارات الدفع الرباعي الفاخرة التي ينظر اصحابها شزرا إلى سياراتنا البسيطة التي حطمتها الشوارع المنهكة والمطبات الخفية، ودولة يكدس تجارها في معارض السيارات ثروة من الحديد الفاخر تتجاوز 2 مليار دينار ليست دولة فقيرة وإنما دولة لا تملك او لا تريد حكومتها التخطيط السليم لتوزيع الثروة بعدالة بين المواطنين.
ودولة تستهلك رواتب الموظفين في كثير من مؤسساتها اكثر من نصف دخلها او إنتاجها، دولة تعالج البطالة الفعلية ببطالة مقنعة ليست دولة فقيرة وإنما دولة حكومات تفتقر إلى التخطيط السليم وتنظر فقط إلى خطوة واحدة أمامها.
ودولة تمتلك تراثا اثريا وسياحيا متفردا ويقضي اغنياؤها وطبقتها المتوسطة اجازاتهم في دول أخرى قريبة وبعيدة بفعل ذكاء ونجاعة التخطيط السياحي في تلك الدول، ليست دولة فقيرة وإنما دولة لا تعرف حكومتها قيمة وإمكانيات الوطن.
ودولة تقضي تشريعات واتفاقياتها التجارية على صناعتها الوطنية وتتحول إلى دولة مستهلكة بالكامل تقريبا، ليست دولة فقيرة وإنما دولة تفتقر إلى العقل الاقتصادي الوطني.
ودولة لا يجمع اغنياؤها المترفون سوى 90 مليون دينار دولة ليست فقيرة وإنما دولة اضعفت الانتماء الوطني لأسباب لا مجال لشرحها هنا.