يعيش الأردن الآن في وسط ملتهب، تشعله نيران الفوضى بكافة أشكالها، الأخلاقية، والإقتصادية، والسياسية، وحتى السلطة الرابعة" الإعلام" لم تسلم من تضارب تصريحات المسؤولين، وخصوصاً أولئك محبي الظهور على الشاشات الإعلامية؛ فهناك فجوة جوهرية بين عمق الأزمة التي نعيشها، وبعد النظر الذي يحمله بعض المسؤولين والذين أدخلوا البلاد في دوامة وأصابونا ببلاء التوهان، وعدوى الفوضى، ووباء كورونا.
أزمة كورونا، لم تكن البداية، ولن تكون النهاية، ما دام هناك أشخاصٌ في مواقع المسؤولية بلا أجندة وطنية، ولا تعنيهم المصلحة العليا، والخوف كل الخوف على ذلك الكرسي الذي منحهم حق اتخاذ القرار والتحكم بمصير الشعب، دون أدنى مستوى من العلم، والمعرفة، وغياب الضمير، و...و. والكثير الكثير من الأخطاء والتخبط في اتخاذ القرارات، والمسرحية مستمرة، وحلقاتها طويلة.
فوضى تلو الفوضى، حتى أصبح المصير مجهولاً، فلم نعد ندري أين يقف الأردن من قضايا الاقليم، وهل نحن مؤثرون في مصير من حولنا، وكيف سنتعايش مع واقعٍ تفرضه قوى ولا نملك منه الا تنفيذه بحذافيره ودون تعليق.
الواضح للعيان، أن الحكومة وقراراتها أودت بنا الى ما نحن عليه الآن؛ وعلى سبيل المثال وليس الحصر، فإن الناظر من بعيد، أيقن أن اهتماماً حكومياً غير مسبوق في اصابة كلب بفايروس كورونا، وبين تشبيه التعايش مع الفايروس بالضبع الذي يدخل البيت، فالى أي مستوى وصلنا، فهل يعقل أن تعيش البلاد ثلاث أيام تتحدث بكلبٍ وضبع، وترك الأمور المفصلية والهامة، فلم نعد نعرف هل نحن في خطرٍ وبائي، أم لا؟، وهل نعيش خطر اقتصادي، أم لا؟.
أزماتٌ تلو الأزمات؛ سببها عنجهية البعض، وعدم تحمل البعض الآخر مسؤولياته، فمن عمال المياومة الى دعم الخبز، وما بين تمديد ساعات الحظر، وتقليصها، وانتشار الوباء وضعف الاجراءات على المعابر الحدودية، وبين ضرب الاقتصاد الوطني ومعانته، وقرارات لجنة استدامة سلاسل العمل والانتاج. وبين تضارب تصريحات لجنة الأوبئة والوزراء المعنيين، والسباق مع الزمن لمن يظهر أولاً على شاشات التلفاز، وما بين انتشار الوباء وعبارة وزير الصحة" نشف ومات"، فكل هذا أدخل الأدرنيين في حالة من الفوضى، فلم يعد أحد يدري ما الذي سيحدث بعد قليل. للتذكير، فإن الحكومة أطلقت على نفسها اسم حكومة" النهضة" فهل هذه هي النهضة التي وعدنا بها الرزاز؟، فإذا كانت الإجابة نعم، فلم نعد نريد النهضة المزعومة وعلينا فوراً العودة الى صوابنا.
فقبل عدة أشهر دخل فايروس لعين للكرة الأرضية، معلناً حقبة مرضية جديدة لم تعهدها البشرية، لكن وعلى الرغم من خطورة الفيروس، لم يكن هناك مواجهة حقيقية ومدروسة على مستوى مؤسسات الدولة، فقد أوهمتنا في البداية بالإجراءات الإستباقية المدروسة، حتى تساهلت بخططها، بعد أن ضمنت أن الأردني قد انحاز لها وازداد وعيه بخطورة المرض، ومع مرور الأيام، وازدياد الإصابات بفيروس كورونا، اتضح أن كل ما تم اتخاذه من اجراءات احترازية وقائية لم تكن على المستوى المطلوب، فالتدرج بالقرارات واحتساب النتائج لم يكن الأسلوب الأمثل، فمع أول اتخاذ لقرار عودة دوام المدارس، سجلت عشرات الإصابات؛ ما استدعى اغلاق المدارس وتحويلها الى التعليم عن بعد لمدة أربعة عشر يوماً كإجراء احترازي، ولا ندري متى تعود الدراسة الى طبيعتها.
وللأسف، لم تكن المدارس هي المتضررة الوحيدة من قرارات الحكومة المتخبطة، فكل ما اتخذ قرار بعودة الحياة الى طبيعتها في البلاد، فالضرر طال الشجر والحجر، وكأن حياة الأردنيين أصبحت رهينة قرار مجحف لا يأخذ بالحسبان العواقب الوخيمة المترتبة عليه سواء أضرت بالإقتصاد، أو الحياة السياسية، أو حتى الجانب الإجتماعي الذي تخلله الجرائم الناتجة عن حالات الإكتئاب القاسية.
ونحن اليوم في أمس الحاجة الى أشخاص على قدر عالٍ من المسؤولية بعيدين كل البعد عن المناكفة وحب الظهور، ملتزمين بالشفافية والمكاشفة، وتغليب المصلحة العامة على الشخصية، في اطار السعي للخروج من الوضع الراهن، والفوضى العارمة التي طالت كل فئات المجتمع.