لا للحظر الشامل

سلامة الدرعاوي

واضح ان البعد الاقتصاديّ لم يعد في حسبان الحكومة أبداً خلال تقييمها لإجراءاتها المتعلقة بمواجهة تداعيات كورونا، بدليل عودة الحظر الكُلّي يوم الجمعة على العاصمة والزرقاء، علماً ان هاتين المحافظتين يشكّلان أكثر من 90 بالمائة من النشاط الاقتصاديّ الكُلّي في المملكة.
قرار الحظر الكُلّي يوم الجمعة ليس مفهوماً من الناحية الصحيّة أبداً، ولا يوجد ما يثبت انه يعزز من خطوات الوقاية الصحيّة والجهود المبذولة في مواجهة الجائحة التي أثقلت الاقتصاد المنهك أساساً بأعباء ماليّة جديدة، من المؤكد انه لن يقوى على مواجهتها اذا ما استمر النهج على ماهو عليه في الوقت الراهن.
الحكومة تسعى من خلال فرض الحظر الكُلّي يوم الجمعة إلى ترسيخ الاعتقاد في ذهنيّة المواطن بخطورة المشهد والتطورات السلبيّة التي حدثت، مما قد يجعله يرتعد ويلتزم بمعايير الوقاية الصحيّة.
هذا الاعتقاد الخاطئ لن يكون له أيّة فائدة في ظل السلوكات الحكوميّة التي تشجع على انتشار الكورونا عبر التجمعات والمخالفات العلنية، فالاكتظاظ البشري الهائل الذي يحدث قبيل ساعات الحظر هو بحدّ ذاته أكبر ضربة لكل الجهود التي تبذلها الحكومة في مواجهة كورونا، فكُلّ ما تقوم به من فحوصات وعزل وتقصي ووقاية خلال الأسبوع يتبخر مع اكتظاظ المواطنين في الأسواق والمحلات التجاريّة قبل الحظر، وهو ما يشكّل خللا كبيراً وهدراً لتلك الجهود التي تبذل لمواجهة هذا الوباء، فتكون الحكومة كالتي "نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا ".
يوم الجمعة يوم مهم للاردنيين ولكل المقيمين، فهو يوم عطلة رسميّة، تنتعش فيه حركة المطاعم والمقاهي والمحلات التجاريّة والمولات الكبرى، واجزم ان حركة هذه القطاعات في هذا اليوم تحديداً قد تعادل حركة المبيعات خلال الأسبوع كاملة.
الخسائر التي منيت بها القطاعات المختلفة نتيجة الإغلاقات كبيرة جدا، ولا يوجد من يعوضهم، الحظر يثقل اعباءهم ويزيد الضغوطات على أنشطتهم، مما يدفعهم لاتخاذ قرارات صعبة تتعلق بديمومة تلك الأعمال او الخروج من السوق، مما يعني مزيداً من الفقر والبطالة.
حتى الخزينة تخسر يومياً من أيّة عمليات إغلاق ما يقارب ال60 مليون دينار على اقل تقدير من الحظر الكُلّي ولو كان ليوم واحد.
على الحكومة التراجع عن فكرة حظر التجوال الشامل يوم الجمعة لانه يتسبب في تكبيد العديد من الأنشطة الاقتصاديّة لخسائر كبيرة، وعلى الحكومة التفكير خارج نطاق حظر التجوال وإيجاد حلول واليات أخرى، لانه بمجرد الإعلان عن حظر للتجوال يتسبب بحالة من الإرباك الشديد، وتطبيقه يخلف خسائر بالملايين.
اليوم لا الصانع ولا التاجر قادر على تحمّل المزيد من الخسائر، في الوقت الذي يحب على الحكومة البحث بجدية عن آليات لكيفية دعم القطاعات الإنتاجيّة لا زيادة الخسائر عليها.
الحكومة ليست وظيفتها الحظر في ظل كورونا، انما هي مسؤولة عن نشر الوقاية الصحية والتشدد في تنفيذ الرعاية والتأكد من إجراءات السلامة العامة على كافة المنشآت والأفراد واتباعهم لتلك الإرشادات، واتخاذ اقسى درجات العقاب في حال عدم الالتزام، وهذا ما يحدث في دول العالم جميعاً والتي فيها حالات أكثر بكثير من الاردن، ولم تقم حكوماتها بإغلاق الاقتصاد كما تفعل الحكومة حاليا.
اذا أرادت الحكومة مواصلة سياسات الحظر الشامل فإن عليها مسؤولية ماليّة كبيرة بالدفع لكل من تضرر نتيجة هذا القرار الحكوميّ، وفي اعتقادي ان الحكومة غير قادرة على مثل هذا الاجراء، او قادرة على التفكير فيه، فهي من غير كورونا غير قادرة على تلبية كاملة نفقاتها التمويليّة دون اللجوء للاقتراض من الداخل والخارج، لذلك عليها التفكير جديا في تنفيذ إجراءات السلامة الوقائيّة او في تعويضات للمتضررين من سياساتها واجراءاتها.