العالم بعد كورونا فارس الحباشنة

كما الافراد يتبدى العالم هذه الايام خائفا ومذعورا، كورونا لم تترك مطرحا للامان والامل. العالم والمجتمع الدولي اكتشف حقيقته مع ازمة كورونا : اقتصاديا وسياسيا، وانسانيا. واكثر ما يتجذر من سؤال عن قوة خفية وايدٍ خفية تتحكم في العالم، حكومة العالم السري. كيف لها ان تفكر بانقاذ ملايين من البشر من الموت الحتمي بسبب الفقر وكورونا؟ واذا ما فكرنا كيف واجه البعض من القطاع الخاص وبعض من طبقة رجال الاعمال الازمة ورفضوا تعويض العمال المسرحين، وقضموا التعويضات الحكومية، وانكشفت انيابهم المتوحشة اللامؤمنة بمفهوم الدولة الوطنية والمجتمع، وتوحدت مشاعرهم ومصالحهم في صورة لقيم ومبادئ، واخلاق عولمة متوحشة. صحيح ان كورونا اعادت للحكومات سيطرتها المركزية وهيبتها، واستعادة الحكومات حضورا مفقودا بفعل سياسات هيكلة الدول اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا التي يمضي بتطبيق وصيتها على العالم وتحديدا دول العالم الثالث البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والمؤسسات والمنظمات الراعية والممولة الغربية والاوروبية والامريكية، والمثال اللبناني شاهد حي على اغتيال الدولة وتصفيتها، اعادة الوصاية الفرنسية، وزيارة ماكرون الرييس الفرنسي الاخيرة حملت الكثير من الاشارات عن احياء واستعادة الدور والحضور الفرنسي في لبنان والمشرق العربي، ولبنان تحتفل في الذكرى المئوية لاعلان الجنرال غورو ولادة لبنان الكبير. كورونا انتجت اسئلة كبرى صعد نقاشها الى المجال العام سياسيا واعلاميا حول العدالة بالثروات وعدالة التوزيع، والعدالة الضربيبة والملاذات الضريبية التي يتسارع اليها رجال، والاردن شهد اكبر معركة في مواجهة الفساد الضريبي وتهريب الاموال وغسيل الاموال والتسهيلات البنكية. وثمة ما يدعو الى التامل والتفكير في العالم ما بعد كورونا. والى اين تذهب البشرية؟ الى الهلاك والفوضى والدمار والموت بسبب فايروس. فعلا العالم يخطو بسرعة نحو ازمة اقتصادية كبرى وغير مسبوقة، واقتصاداات كثير من البلدان وخصوصا العربية هي اشبه حالا بلبنان، وتتلكأ بخطوات عرجاء على بقايا ارصدة وموجودات مالية. في الدول الديمقراطية، وأوروبا تحديدا، صعد صوت قوى اليسار الاجتماعي، والتيارات المناوئة لليبرالية ونيوليبرالية، واقتصاد السوق. وترامب اليميني المتطرف في خطاباته لم يخف مشاعره العدائية من صعود اليسار الاجتماعي في المجتمع الامريكي، وهاجمه، واتهمه بالارهاب لما يحمل من افكار سياسية واجتماعية داعية الى حماية طبقة العمال والطبقة الوسطى، والتامين الاجتماعي والصحي، واتباع سياسات للوقاية والحماية الاجتماعية. في كل ما نسمع من اخبار عن كورونا اردنيا وعربيا. كونوا على ثقة انه لو تضاعفت الاصابات وتجاوزت سقف قدرات المستشفيات من اعداد للاسرة والعناية المركزة واجهزة التنفس الصناعي، وغيرها فالمصيبة ستكون مدوية. وقبل ايام تابعنا في الاردن بوجع والم وحسرة وفاة الطفلة سيرين في مستشفى البشير، والسبب عدم توفر سرير. ثمة ما يوجب مراجعة السياسة العامة، فهذا الا يقضي صعود خطاب يساري ديمقراطي اجتماعي يهتم باعادة الاستثمار بالانسان دون تمييز طبقي وجغرافي واعادة توزيع عادل للثروات والتنمية، واعادة الاستثمار في قطاعات التعليم والخدمات الصحية ووقف سياسة الخصخصة، واحياء انظم التامين الصحي، وتطوير البحث العلمي الطبي، والعودة الى اقتصاد الزراعة لبناء وحماية الامن الغذائي. ازمة كورونا تحمل فرصة على مستوى العالم لولادة يسار جديد يناضل ضد النيوليبرالية وما اوصلت الكرة الارضية والعالم والبشرية اليه. خطاب النجاة في مواجهة سياسات اقتصادية عامة ادى الى زيادة اعداد الفقر المركب ، وهمشت الطبقة الوسطى، وصنعت طبقة احتكرت الثروات والبزنس والسلطة، والوجوه السوداء للاعتداء على المال العام ومدخرات الدولة بالتهرب الضريبي وفساد المقاولات والسمسرة والكوميشن. خطاب النجاة اليساري باقرار سياسات ضريبية عادلة وتصاعدية على الثروات، ونجاة الدول والمجتمعات والافراد من سيطرة «القلة القليلة «من اهل المال والبزنس، والتحالف المتوحش، وتسخيرها لخدمة وحماية ثرواتهم، ومحاربة الفكر المتطرف والاقصائي، والفكر اللاوطني وتحت الدولة وغير المؤمن بها والطائفي الجهوي والمناطقي، والطبقي. واذا ما العالم خرج من كورونا دونما ثورة بيضاء اصلاحية ضد الحكومات النيوليبرالية، ويخمد الكثير من سياسات العداء للافراد والمجتمع، وتحقيق التوزان الطبقي والاجتماعي، فان العالم منذور في تجليات جديدة اشد فتكا للنيوليبرالية، وليموت اذن الانسان والبشرية وليحيا الاقتصاد الحر والنجاة تكون فردية على طريقة تايتنك.