كنا نضبط ساعاتنا على توقيت الكورونا، توقيت حياتنا، يومنا، مواعيد اكلنا وخروجنا، احاديث تعدت الحدث وارتبطت بتساؤلات، وعناوين قبل ام بعد الكورونا ؟لكن مهلا !!فالكورونا لم تنته ويبدو ان ذاكرتنا.. اصبحت ضعيفة جدا..
خرج الناس من صوامعهم، خرجوا مفتقدين للحرية، ولإحساس الباحث عن الحياة، وكأنهم في سجون وخلف جدران منيعة كُسرت الآن وفتحت النوافذ وشوارع البلد، واجتزنا جميعا حواجز المحافظات والألوية، وتجاوزنا قرارات لجان الاوبئة، وانتحلنا صفات الأطفال والمراهقين لهاثا وراء الافعال التي تدعو للتنفس الطبيعي ومحاكاة الحدائق والمطاعم، وفتح الابواب على مغاربها ومشارقها بمحلات التسوق بحثا عن قطعة نعيد بها الحياة لوجوهنا، وربما حاجة فعلية لطالما حلمنا خلال تسعين يوما مضت لقضائها، والتعاطي معها. خرجنا وخرجوا جميعا من كل الازقة والتفاصيل اصبحت امام الجميع مفتوحة بلا حواجز، لم يعد احد ينتظر صفارة الانذار في ساعات ما قبل المغرب، او يستمع لصوت من يطلب من الجميع الالتزام تحت طائلة المسؤولية.
وتدفق كثيرون لتلك المزارع والمسابح لمن استطاع اليها سبيلا، والبعض الآخر بما يمتلك افترش الارض بالشوارع العامة حيث يوجد عشب أخضر جميل ليتناول المرطبات، وقطع « البطيخ « البارد، وما ملكت يداه من قطع دجاج او لحمة ليشويها، ويحتسي كوب الشاي على ذات « المنقل « وأطفاله بزي العيد الذي لم يرتدوه اساسا، يركضون حوله بفرح، وضحكات بطوق الحرية، والخوف الذي تمت ازالته من قلوبهم.
مشاهد ما بعد فك الحظر تفوق حد التصديق، فقد انتقلنا حقيقة من الصحراء القلبية والجفاف الاجتماعي، الى الانطلاق غير المسبوق لكل شيء حولنا، في ممارسات قد تبدو مبالغا بها بعد حالة من الحظر الشامل الذي دخلنا به جميعا، وبشكل فعلي وحقيقي، لا يمكن نسيان تفاصيله، التي تقنا لاعتبارها مرحلة ولن نعود اليها بيمن الله وارادته.
مع الحرية نحن، ومع كسر طوق الاسر القهري الذي فرض على الوطن من اجلنا، ولغايات الحفاظ على صحتنا، ومع انتظار يومي لتكون الحالات في اردننا توازي الصفر للخلاص النهائي من وباء اطاح بلقمة العيش، ومس سواده قرش الاردني في كل بيت..
كورونا ذبحتنا جميعا، اطاحت بتحركات الشباب والصبايا، قتلت اجواء الطفولة والتريب، والتعليم بالنوادي، والالتقاء بمن نحب وسط اجواء منطقية، قتلت فينا الاجواء الاجتماعية، جعلتنا نشتاق ليد ام وأب لنركع نقبل اياديهما، والان كل شيء اصبح مشروعا ومباحا، فالقيود انتهت، وكل الابواب اصبحت مشرعة.
لكن، نقول تمهلوا ودعونا نتمهل، فإن تم فك القيد، فعلينا ان نعي تماما انه ما زال في الاجواء خطر الفيروس، ولا زالت الغمة لم تزل، ولا زالت التحذيرات تعتري الأجواء وبالقلب خوف وقلق وتوتر مشروع، علينا عدم تناسيه، فالمسؤولية كبيرة، والكورونا حقيقة.
لكن يبقى في القلب غصة لازالت عالقة في دواخلنا؛ فالكورونا ما زالت حية وسطنا، وما زال المغترب في كل بقاع الدنيا ينتظر انفراجا حقيقيا في مطارات العالم.
فلا زالت الحقيقة الكاملة مبهمة، والفيروس حاضر بقوة، والانفراج والانفتاح محكم وامر واقع بيننا.
فما بين الشوق لحياة طبيعية تمتلك كل تفاصيل البقاء، وبين قلق مشروع، وبين رغبة بانفتاح اقتصادي للجميع، تبقى حكاية صحتنا هي الاصل، ويبقى الامل ايضا معلق بمسؤولية عدم نسيان امر فيروس يترصدنا!!