كتب: عبدالله عدوان
يُحسَب لهذا الشاب فائق الذكاء والممتلئ بالموهبة الحقيقية محمد سامي أنه إستطاع أن يَجَمع شمل الأمة العربية على مائدة رمضانية واحدة من خلال المسلسل الدرامي المتميز "البرنس". عمل متكامل ابتداءً من النَص المشغول والمحاك بحرفية عالية، المُدعّم بِحَبكة درامية متميزة، والذي لم يُغامِر "سامي" بتركها هذا الموسم لِكاتب غيره حِرصاً منه على تشرب خُلاصة الأبعاد النفسية لكافة الشخصيات، ولِجعل المنعطفات المتعلقة بالأحداث بيدهِ وحده، كي يتمكن من وضع خُلاصة تجربته الغنية في الورق أولاً، ثم بالإخراج المبهر والمختلف ثانياً.
لقد كنت محظوظاً جداً حين استضافني هذا المبدع وهو يضع لمساته الأولى على ولادة تلك الشخصيات، وهو الذي كان قد ترك بيته لفترة من الوقت وأقام في أحد فنادق مدينة الشيخ زايد في القاهرة كي يتفرغ لكتابة هذه الملحمة الإغريقية التي تقع أحداثها في حي الشرابية الشعبي في القاهرة القديمة. من يشاهد هذا الرجل في ذلك الجناح الفندقي وقد حَوّل المكان لورشة إبداع تعمل على مدار الساعة، واضعاً "بورد" أبيض يرسم عليه ملامح تلك الشخصيات واحدة تلو الأخرى، مُخرجاً كل الشرور التي عايشها مع البشر في العقود الثلاث الأخيرة، لِيُخيط منها قصة شيقة مفعمة بالأحداث والتقلبات، كان لِيُدرك الناتج الذي وصل إليه هذا العمل اليوم. لم يكن تحدي محمد سامي يوماً مع أحد، بل كان مع نفسه، ومن يعرف هذا الرجل عن قرب يُدرِك بأن هذا التحدي هو أكبر تحدياته، حيث أنه كان دائماً ما يبحث عن طرق جديدة للتفوق بها على ما قدمه في السابق.
نجم مصر الأول محمد رمضان كان على وعي مسبق بأن هذا العمل سيشكل أقوى الردود على كل منتقديه في الفترة الأخيرة، فما كان منه إلا أن صَبَ فيه الكثير من موهبته الفريدة والمتميزة، وأعطاه من وقته واجتهاده وقلبه وروحه. فهو قدَم نفسه هذا العام بقالب جديد ومختلف، بخليط محشو بالصدق، والأداء الدرامي العالي، وبالعفوية التي لا تُوصف إلا بالسهل الممتنع، الذي يَصعُب على الكثيرين منالها.
ويُحسب أيضاً لهذا النجم الكبير أنه ترك نفسه لأيدي محمد سامي الأمينة عليه ليقدمه بطل أول (وليس بطل أوحد) ضمن كوكبة أبطال أخذ كلُ منهم حيزه الدرامي كاملاً غير منقوص، على عكس ما نراه في كثير من الأعمال الدرامية العربية، ولقد كان لهذه الخلطة أكبر الأثر في تميز العمل ونجاحه منقطع النظير.
وعلى ذكر أبطال العمل، فمن الصعب أن تُحدد مَن مِنهم كان أفضل من الاخر، ولكن بالتأكيد لا نستطيع إلا أن نتوقف عند الموهوب أحمد زاهر الذي لم يُطلّ علينا بعمل من إخراج "سامي" إلا وكانت اطلالته تلك مختلفة ومتميزة وتترك اكبر الأثر في نفوس المشاهدين.
لَفَتَ انتباهي أيضاً الشابة المبدعة دنيا عبد العزيز، تلك النجمة التي عادةً لا تبحث عن أدوار بطولة، غَيرَ أنَ كل دور تقوم به يُصبح بقدرة قادر بطولة بحد ذاته، وتترك في قلوبنا لمستها الخاصة. والحديث يطول عند ذكر أبطال العمل، وتضيق المساحة لذكرهم مهما كبُرَت، ولكن لا بد من توجيه التحية أيضاً للممثل المختلف محمد علاء، الذي يقدم "ياسر" بطريقته "الجامايكية" الخاصة. لقد كان لي شرف زيارة هذه عائلة "البرنس" أكثر من مرة في مواقع تصوير مختلفة للمسلسل، وكنت في كل زيارة أستشعر عظمة ما يَصنعُه هؤلاء الرجال.
وهذا كله يُحسب لشركة "سينرجي"، الجهة الإنتاجية الحاضنة لهكذا عمل كبير، والتي قدمت الكثير من الأعمال الدرامية الهامة في السنوات الأخيرة.
لن نستطيع أن نتحدث عن "البرنس" ولا نأتي على ذكر إثنين ساهما بشكل رائع في خدمة الإيقاع الدرامي للعمل وهما المؤلف الموسيقي الكبير عادل حقي، ومؤلف وملحن أغاني المسلسل هيثم نبيل، فالموسيقى التصويرية والأغاني التي تطرق القلوب بلا استئذان أضافت بُعداً ثالثاً للصورة الجميلة التي رسمها بامتياز أحمد فهيم وقام بهندستها في المونتاج المبدعة غادة عز الدين.
النجاح المذهل لتجربة "البرنس" أكبر دليل على صدق مقولة "لكل مجتهد نصيب"، وأن التعب والجدية والحرفية التي توضع خلف أي عمل، لا بد لها وأن تأتي بِثمارها لمن أعطاها من وقته وعرقه وجهده، ولن تجد صعوبة بالوصول لقلب الجمهور الذي مهما حاولنا التقليل من ثقافته الفنية، إلا أنه يذهب دائماً بِفطرتهِ لكل ما هو "سمين"، ويلفظ بالتالي كل ما هو غَثّ وفارغ من الإتقان الذي يحترم عقله ووجدانه.