الدباس يكتب: ضرورة تقييم المرحلة

فبدل أن ينهمك الملك في إدارة دفة (السياسة الخارجية) في إقليم مضطرب ومتغير وبالغ التعقيد، أراه منهمكا في إدارة ملف (صحي واجتماعي)؛ لا يقبل نتائجه إلا بإشرافه حرصا منه على الأردنيين تعزيزا لمقولة الراحل العظيم: "الإنسان أغلى ما نملك"، ومن مبدأ لا يقبل الجدل، ولطالما آمنا به -جميعا كأردنيين- لأنه ثالوث الحكم الرشيد في المملكة: (الملك-والجيش والشعب).

(محليا)؛ الأردنيون يعانون (ضنك العيش)، حيث تتسارع الفجوة الطبقية وتتسع بطريقة (غير معهودة)، ومع إستعداء لطبقة النخب السياسية التي لطالما تداخلت مصالحها وتقاطعت مع القطاع الخاص والسلطة التنفيذية؛ من خلال التعيين على الوظائف القيادية لماحسيبهم وأقاربهم وتكديس ثرواتهم، فغالبية الناس (فقدت الثقة) بكافة المؤسسات، بإستثناء مؤسستي (العرش والجيش) اللتان باتتا الملاذ الآمن للمواطن والوطن.

لقد (تضاعف) هذا الشعور بسبب (وباء رباني) عم فيه الشعور الوطني بأن منطقتنا العربية (غير مهيئة) للتعامل مع تأثير هذا الوباء؛ بناء على نوعية الخدمات الصحية والإجتماعية المتفاوتة بين دولة أخرى، وترتبط أسبابها بنقص الموارد المالية وارتفاع الإنفاق الحكومي، والخلل في أداء مؤسسات الدولة وسوء الإدارة، وهجرة الكفاءات وانعدام الشفافية، والنزاعات المسلحة والنزوح السكاني جراء الحروب
وغيرها الكثير.

كذلك (محليا)؛ كان تأثير الوباء سلبيا على قطاعات متعددة منها: (قطاع السياحة)، والذي تلقى (الضربة الأولى) مع إلغاء العديد من الرحلات والخدمات السياحية، وغيره من القطاعات الهامة مثل: القطاع الصناعي والتجاري وقطاع النقل؛ حيث بات متوقعا حدوث (إنتكاسات إقتصادية) في عدة قطاعات مختلفة، فكيف ستواجه هذه الحكومة إنخفاضا كبيرا في الإيرادات؟ وما هي خطتها المستقبلية لذلك؟.

أما على (الصعيد الخارجي)؛ كيف سنبحث (فرص تغيير) أسس التعاون الدولي؟ ما هو دور الإتحاد الأوروبي (EU) والإتحاد من أجل المتوسط (UFM)لدولة مثل الأردن مثلا بالخصوص؟ كيف سنفعل (ميثاق التعاون) الخاص بالجامعة العربية؟ كيف سنبحث عن مانحين جدد (Donors) ولجدولة ما علينا من قروض؟ كيف سنفعل آليات مبادلة الدين العام للمملكة بمنح وقروض ميسرة؟ ماهي آلية وطرق تعظيم (الدعم النقدي المباشر) من المانحين للخزينة (Budget Support) وغيرها العديد من الأمور.

حقيقة لقد شهدنا عدة (إخفاقات إقتصادية) متتالية خلال السنوات السابقة؛ هل سننتظر حتى تتفاقم مثلا؟ هل أعددنا أنفسنا لعودة محتملة للمغتربين؟ وهل حددنا ماهو الجهد الإقليمي المطلوب؟ وكيف سنتصدى للتحديات الإقتصادية الملمة؟ وهل سننتظر (تردي) أنظمة الحماية الإجتماعية والصحية في المستقبل؟

أعتقد (جازما) بأن بوادر (الإرهاق والأرق والإرتجال غير المدروس) قد بات واضحا على حكومتنا الرشيدة، والتي حظيت سابقا وما زالت بأكثر من فرصة سانحة؛ كانت لها ولم تكن عليها بدءا من تنفيذ قانون الدفاع، وانتهاءا بعدم ترك مساحة للحكومة (للمناورة) من خلال إخضاعها المباشر لمؤسسات الدولة العميقة، خوفا من أي (إجتهاد حكومي خاطيء)، يبدد ما نتأمله منها خلال هذه المرحلة العصيبة، وما أحداث الخبز ومفارقات تزوير التصاريح ومواقيت رفع الحظر الكلي والجزئي ودخول بعض الحالات (عبر الحدود) دون التيقن منها والتخبط في إجراءات وتعقيد مسؤولية مباشرة مشاريع الإنشاءات الهندسية وغيرها من الأمور؛ إلا دليل دامغ على (عدم نضج) هذه الحكومة (ومراهقتها) في العديد من الأحيان بمناورات (مترددة)، وانشغال بعض من أعضائها بالتلميع الإعلامي عبر الخطابة المستمرة من خلال وسائل الإعلام، وترك الشأن الإقتصادي وتحييده جانبا، حتى باتت تلمح إلى التهويل وإطالة أمد الأزمة أملا في تطويل عمرها كحكومة، واستحقت لقب حكومة غير مبادرة إلا (بتوجيهي ملكي)؛ ووصل بهذه الحكومة بأن طرح العطاءات الحكومية لزيادة (المخزون الإستراتيجي) من المشتقات البترولية لم يكن ليتم لولا (التوجيهات الملكية) بالخصوص!!، ليس لها من حل إلا (بالإنسحاب والراحة)؛ بإستثناء بعض ممن أبلوا فيها بلاء حسنا ويعرفهم القاصي والداني. وكل ذلك كان وما زال بمتابعة وإصرار حثيثين من قبل (رأس الدولة)، والمؤسسات العميقة وغير العميقة فيه!!.

(عمليا)؛ هل وضعت الحكومة كل السياريوهات الممكنة للخلوص من تبعات هذا الوباء؟ وهل ستحدد الحكومة نهاية مرحلة الطواريء الصحية؟ وهل هناك بدائل لفتح الإقتصاد في المرحلة الحالية؟ وهل وصلنا إلى مرحلة (الإنكماش الإقتصادي) في بلد جل عوائده من الضرائب وبدل تقديم الخدمات؟ وهل الحكومة وراسمي السياسة فيها ما زالوا مناسبين لإدارة الشأن العام للدولة؟ وهل نحن قادرون على الصمود بهذه (الكوادر) التي لم تستطع تعظيم المنافع وجلب التبرعات (المأمولة) لصندوق (همة وطن) أمام تمركز رأس المال في يد فئة قليلة سببه عدم العدالة في توزيع مكاسب التنمية؟ متى سيفتح الإقتصاد؟ وهل الفتح الجزئي سيضمن السيطرة الوبائية على هذه الجائحة؟ وما هو (مقدار الخطورة) التي نستطيع تحملها كمواطنين وخصوصا بعد أن ينهض الإقتصاد من (غيبوبته)؟ لأن فتحه لا يعني التعافي بقدر ما هو مطلوب؛ إذ أن المطلوب (الإستهلاك) لمخرجات الإقتصاد، حيث (لا إقتصاد) بدون (إستهلاك)...

جلالة الملك وأنتم (رأس الدولة)؛ لولاكم سيدي لما وصلنا إلى هذه النتيجة المشرفة، وأعتقد بأن تقييم المرحلة قد بات أمرا ملحا....

خبير ومحكم دولي في مجال الطاقة