الحجر الصحي والوضع النفسي الدكتور فايز أبو حميدان

الأزمة التي يعيشها العالم عقب تفشي فيروس كورونا على نطاق واسع وبسرعة كبيرة في مختلف دول العالم  وقيام معظم الدول بفرض حظر التجول وإلزام المواطنين بالحجر المنزلي  في إطار إجراءات صارمة لمحاولة الحد من انتشاره ليس أمراً سهلاً ولا موضوعاً يستهان به بل انه ظرف استثنائي وغير مسبوق ولا مألوف لعامة الناس ، لذا فإنه لمن الطبيعي ان يترك هذا الوضع آثاراً نفسية وجسدية وسلوكية لديهم . 

مشكلة مرض كوفيد 19 غيرت الكثير في حياة الناس ، فقد تغير الروتين اليومي المعتاد عبر الحجر المنزلي وتغيرت التفاعلات الاجتماعية اليومية وحتى طرق وأساليب التحية والسلام ومحاور الحديث ونشأ وضع اقتصادي مالي آخر، فما كان قبل الكورونا يختلف عما هو بعد الكورونا ولكل هذا تأثيرات نفسية وجسدية على الناس والتي قد تنعكس سلبياً على سلوكياتهم. فالصحة النفسية لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية ، وخاصة أن أهم أعراض التأثير النفسي لمرض كوفيد 19 تتلخص بتولد العديد من المخاوف الداخلية الممزوجة بالقلق والهلع ، ففي الآونة الأخيرة اجتاح الخوف حياتنا بشكل كبير جداً وأصبحنا جميعاً في حالة اضطراب دائم ومتخوفين من الإصابة بالمرض وانتقال العدوى لنا ، بل وأصبحنا نخاف من فقدان أحد افراد العائلة او الاحباء والمقربين بسبب هذا المرض ، يُضاف الى هذا كله تصاعد مخاوف مستقبلية لدى البعض تتعلق بوظائفهم وتساؤلات عديدة تراودهم ويطرحونها طوال الوقت فعلى سبيل المثال لا الحصر هل سنفقد أماكن عملنا بعد انتهاء الكورونا كونها أدت الى استنزاف الاقتصاد وتسببت بأضرار وخسائر كبيرة جداً ؟ ومن ضمن هذه التساؤلات ايضاً هل سنضطر الى تغيير مكان السكن والبحث عن مكان آخر بسعر اقل او بايجار اقل؟ هل سنصبح فقراء لا نجد قوت يومنا وليس لدينا امكانية لتأمين المتطلبات الاساسية للحياة ولا حتى لشراء الدواء او العلاج؟ هل سنستطيع ارسال ابنائنا الى المدارس مجدداً بعد انتهاء الكورونا وكيف سيكون مستقبلهم؟ يصاحب كل هذه المخاوف الضغط النفسي والضجر الناجم عن الجلوس في المنزل مدة طويلة واحياناً الشعور بالاكتئاب والضيق وتعكر المزاج والغضب من هذا والوضع ومسبباته وتبعاته ، وجميع هذه الامور ممزوجة بالملل  ترفع حدة التوتر والصدام بين افراد العائلة لذا فمن المؤكد ان يؤدي هذا الحال الى خلق نزاعات وصراعات عائلية كثيرة والتي قد ينتج عنها زيادة حالات الانفصال والعنف الاسري لدى البعض ، فقد أثبتت احد الدراسات الاستقصائية الحديثة عن مدينة ووهان بأن نسبة انفصال الأزواج عن بعضهم البعض بعد الحجر المنزلي قد ارتفعت .

 يُضاف الى كل هذه التأثيرات النفسية لكوفيد 19 الشعور بالعزلة وخاصة عند كبار السن فالابناء يحاولون تقليص الاتصال والتفاعل معهم خوفاً عليهم من نقل العدوى لهم وحفاظاً على ارواحهم وهذا حتماً مؤلم لكبار السن وابنائهم ايضاً. ولهذا الوضع تبعات نفسية تنعكس سلبياً على الصحة الجسدية ايضاً فالأرق وحدوث اضطرابات في النوم سواءً كان ذلك في عدم المقدرة على النوم او الاستمرار بالنوم سيؤدي الى ارهاق الجسم بل والى اضعاف النظام المناعي فيه. أما من الناحية الاجتماعية فالأمور معقدة كثيراً فالعلاقات الاجتماعية والعائلية أصبحت محدودة ومقتصرة على المكالمات الهاتفية مما جعل التفاعل الاجتماعي ضعيف ولهذا تأثير سلبي على الحياة ، إذن ما العمل؟

الحجر المنزلي شرع الباب أمام اضطرابات وضغوطات نفسية جمة فكيف نتخطاها ونتجاوز المشاعر السلبية بداخلنا بأفضل ما يمكن ؟ وكيف يمكننا الاستفادة من هذا الوقت والوضع بأقصى ما يمكن؟ وكيف يمكننا التأقلم مع الأوضاع غير الاعتيادية للخروج من هذه المرحلة بأقل الأضرار النفسية؟

في البداية علينا التعاطي بشكل إيجابي مع هذا الظرف الراهن كونه لا يوجد امامنا حل سوى الانتظار وذلك عبر تنظيم اليوم من بدايته ووضع خطة تتضمن كل ما يجب القيام به خلال اليوم ، وعلينا الاكتفاء بحد أدنى من الاخبار اليومية اي تحديد ساعات معينة لسماع اخر الاخبار والاطلاع على مجريات الاحداث فمتابعة الأخبار عن تزايد اعداد الإصابات والوفيات حول العالم اولاً بأول وطوال الوقت تؤدي إلى اعتلال المزاج وتغذي القلق والاضطرابات النفسية والمشاعر السلبية بداخلنـــا، وهنا يتوجب علينا التمييز بين مصادر الاخبار وانتقاء الموثوقة منها والاكتفاء بالأخبار الحكومية وما يصدر عن منظمة الصحة العالمية WHO  تكون مصادرها وسائل إعلام رسمية، وللتقليل من الملل والضجر يُنصح بالبقاء على تواصل مع الآخرين عبر المكالمات الهاتفية ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة كالواتس اب والفيس بوك وبرامج الدردشة عبر الفيديو فهذه فرصة ايضاً لتوطيد العلاقات الاجتماعية ، كما ويجب علينا الاعتناء بانفسنا وصحتنا من خلال تناول وجبات طعام صحية وعدم الافراط في ذلك على ان يتم تناول الطعام بشكل جماعي مع الاسرة فهذا يساعد بدوره على تعزيز الدفء العائلي، بالإضافة الى مشاركة افراد العائلة بأنشطة ترفيهية مختلفة للتخفيف من الضجر والمشاعر السلبية لديهم وذلك عبر ممارسة الرياضة معهم وتمارين الاسترخاء ، يُضاف الى ذلك اكتساب المزيد من المهارات التي لم تكن واردة لدينا من خلال ممارسة الهوايات كالرسم والطبخ والقراءة والكتابة بشكل جماعي إذا أمكن بل وتدوين الذكريات وبعض المواقف المضحكة التي تحدث يومياً ، وعلينا ان لا ننسى تخصيص وقت كافي لمتابعة دروس الابناء ومراجعة موادهم  الدراسية. 

ان الحجر المنزلي رغم مساوئه إلا انه اعطانا فرصة لمعرفة مشاكل العائلة والنقاش والحديث الهادئ المطول مع الزوجة والاطفال والاستماع لهم ومعرفة مشاكلهم ، كما انه من الضروري ان نكون مدركين الكيفية الصحيحة لتوعية الأطفال حول المرض وسبل الوقاية وتوضيح الوضع لهم بصورة ولغة مبسطة والإجابة عن جميع أسئلتهم بصبر وإشعارهم بالأمان وطمأنتهم بأن هذا الخوف طبيعي فهم يعانون نفسياً من هذا الوضع ، بل وعلينا رغم صعوبة الامر بث روح التفاؤل والصبر والايجابية لديهم ولجميع افراد العائلة وطمأنتهم بأن هذا الوضع سيبقى فترة محددة فقط وسينتهي كل شيء بإذن الله تعالى وانه في المقابل علينا إشغال أنفسنا في الأمور البيتية والحياتية حتى لو ان ذلك سوف يتكرر ويؤدي الى الملل.