خفة الدم قد تكون لوثة مستحدثة، وذهب بعض علماء الاجتماع وعلماء النفس الى تبريرها على خلفية تردي الظروف الاقتصادية، لكنها واحدة من عتاد تطبيقات التواصل الاجتماعي، فحين يقع «الهجين في سلة تين»، يصبح همه جلب تأييد و»لايك» سخيفة على موقف سخيف وغير محترم، نحن في الأردن ولجنا العالم الافتراضي من باب هذه التطبيقات، وأصبح مرض العظمة مقيما في نفوس وعقول أغلب المستخدمين، وكان وما زال هذا على حساب الرأي العام المتوازن، فامتهن بعضهم مهنة لإضحاك الناس عن طريق التخويث والهبل وقلة الحيلة، يقع في حالة من السحر، تأخذه بعيدا عن واقعه فيطلق الكلام كيفما وقع على لسانه أو في خياله..الحالة السابقة من خفة الدم المرضية، قد تكون ليست مؤثرة لو كانت تتناول الأمور الشخصية بالمتحدث، لكنها تنال من شعوب ودول وأوطان ومؤسسات، حين تتناول قضية عامة ساخنة كقضية فيروس «كورونا»، التي تعصف بالعالم، فتنهار أسواق وتتوقف الحركة في مفاصل التواصل العالمي، ولو استمر تفاعل العالم بهذه الذهنية المتوترة، فسيحل كساد كبير، تنهار معه بلدان، لا سيما تلك الضعيفة اقتصاديا، والتي تمتلىء عن بكرة أبيها بمستهلكين، لا يكادون يصنعون أو ينتجون 1 % من حاجاتهم الاستهلاكية الفعلية..وهي بلدان كثيرة في منطقتنا، وهنا يكمن خطر الكلام الفارغ المتهافت الغارق بالاشاعة، فإن كان العالم كله «مجنونا» بفيروس كورونا، ويتخذ كل هذه التدابير على حساب اقتصاداته وأسواقه، فهل سيكون الأردن بمعزل عن هذه الرهبة التي تجتاح كل الدول؟أمس؛ قام البحث الجنائي بالتعرف على البعض ممن بثوا مثل هذا الكلام، ونقلوا عن أحدهم قوله «كنت بمزح»، قول يبين ما هي طبيعة تفكير كثيرين منا، يستخفون دمهم أو يستضخمون أنفسهم الى درجة العظمة، يسوقون التحليلات والأكاذيب والخيال الاجرامي، فيتحدثون بأحاديث ما أنزل الله بها من سلطان أو خبر، ليتلقفها المتلقفون الأسوأ، فيتهافتون بمزيد من تفاهة وغباء على حساب أمن واستقرار الناس والدولة..يجب على الأجهزة الأمنية أن تبقى على صرامتها بشأن هؤلاء، فالكذب والاشاعة والمزح «السمج» هو جريمة وطنية كبرى في مثل هذه الظروف، تبدد كل أمن وهيبة وثقة واتزان ومنطق، وتزداد الأعباء على الدولة ومؤسساتها وعلى الناس أنفسهم، فكلام مثلا عن وجود إصابات بفيروس كورونا، والتشكيك بالرواية الرسمية، هو عمل حربي بحد ذاته، حتى وإن أطلقه مطلقوه بحسن أو غياب نية وعقل إجرامي، فالنتائج دوما سيئة، ويجب الالتزام بالحقيقة، فهي حتى وإن كانت مرّة فهي نور، وبها يعرف الجميع ما المطلوب منهم..الأردن أعلن عن حالة واحدة من الاصابة بالفيروس، وهو مواطن تحدث معنا جميعا، وأصبحنا نعرف عنه كل شيء، وهو تماثل للشفاء وسيخرج من الحجر بل العزل الصحي في غضون أيام، فلماذا التهويل وتبديد أمن الناس بمثل هذه الروايات الكاذبة؟! حتى إبليس يفكر في مدى شر عمله وينتهز فرصته في تبديد إيمان الناس وقناعاتهم، فكونوا على الأقل شياطين أذكياء إن قررتم الاجرام بهذا البلد وبمواطنيه البؤساء، ولا تتحدثوا بأحاديث نص كم، بقصد الإلهاء والتسرية عن النفس المضروبة كيماوي، والتي لن يجملها لا خفة دم ولا أحاديث إثارة وفضائحية مكذوبة..فهذا التشوه بالتفكير والمشاعر مقيم لا علاج له إلا أن يأخذ القانون مجراه، ويتم تقصير الألسنة الطويلة، فالإشاعة في مثل هذه الظروف ليست مزحة ولا تسلية، بل هي عمل إجرامي مكتمل الأركان..نشد على أيادي الرجال في قسم مكافحة الجرائم الإلكترونية في جهاز البحث الجنائي، وعلى أيادي كل رجال الأمن العام وسائر الأجهزة الأمنية، فهذه أهم الظروف التي تستدعي وجودهم..وفقهم الله.