عملياً تثير زيارة جلالة الملك للعقبة بعد اقل من شهر على زيارته السابقة التي تحدث فيها عن ضرورة وجود خطط حقيقية لجذب الاستثمار والترفيه وتحريك الاقتصاد، الكثير من الأسئلة حول قدرة المسؤول الموجود على الأرض على ايجاد الحلول واقتراح الافكار وتنفيذها، وها هو الملك يعلن للمعنيين بالأمر التنفيذي أنه لن يتركهم يؤخرون مصائر البلد وهم غارقون في بيروقراطية الأداء والـتأخر والتسويف.
نعم العقبة انجزت الكثير خلال عقدين وتغيرت، وصار فيها الكثير من عوامل الجذب والمناخ الاقتصادي الأفضل عما كانت عليه، ولكنها لم تؤثر كثيرا في حياة الناس، ولم تغير مستوى معيشتهم وبقيت النتائج أقل من الطموح، ولكن هذا أيضا لا ينفصل عن ازمات الإقليم وفوضى المنطقة التي ادت إلى تراجع الاقتصادات.
اليوم يتابع الملك الجنوب ومن العقبة تكون البدايات، ويذهب إلى معان والبتراء وغيرها، فيكشف الواقع ويجد ان ثمة بيئة خصبة للتغيير وأن حياة الناس وبخاصة البدو في البادية تحتاج لروافع جديدة وانماط وفرص أفضل مما هي عليه الآن، فالأراضي الزراعية بعضها هجر وبعضها تم تأجيره لشركات خاصة تستخدم عمالة أجنبية تسيطر اليوم على قطاع الزراعة.
لا يمكن تفسير تأخر الخدمات أيضا، وفي مجتمعات لا تتسم بالكثافة السكانية، وبرغم وجود البنية التحتية المقبولة، إلا أن الخدمات في تراجع أو لم تتطور كما كان مأمولا لها، والسؤال، ماذا لو أن الملك لم يذهب للجنوب، وماذا لو أنه اكتفى بما يأتيه من تقارير ورقية؟ وماذا يفعل المسؤول في القطاع الذي يكون فيه تأخر حين يعود الملك في أقل من شهر ليجد ان العمل لم يكن كافيا او كما كان يجب أن يكون؟
وفي المقابل، قد يكون هناك قادة انجزوا الكثير وفي وقت قياسي وظروف صعبه، فهؤلاء يشكرون، لكن ان يبقى الوضع متأخرا كما هو عليه فهذا أمر لا يمكن القبول به، ولا يمكن ان يظل الحديث عن السياسات والإصلاح والديمقراطية في ظل عجزنا عن احداث برنامج ترفيهي او تشغيل عيادة طبية في لواء من ألوية معان او الكرك او المفرق؟
يفتح الملك ملف الـواجب والممكن والمطلوب من المعنيين في الجنوب، في استمرارية لنهج التواصل المباشر بينه وبين شعبه، وهو مدرك بأن ابناء البادية الجنوبية والجنوب بعامة، قدموا الكثير لهذا الوطن منذ نشأته وكانوا عاملا حاسما في انتصارات جيش الثورة العربية الشمالي، وهم منذ مئة عام على ما هم عليه من وطنية ووفاء لقيادتهم، برغم ظروفهم وفقرهم وقلة حيلتهم، فهذا الجهد الملكي رسالة بالغة الأثر والقيمة، وعلى المسؤولين التدبر والتفكر وتعظيم الهمم.