قانون الانتخابات السابق واضح المعالم والآثار والنتائج وليس بحاجة إلى مزيد من الاختبارات، أو محاولات التجميل فهو لا يمت إلى نظام القوائم بصلة، وإن كان النزول تحت مسمّى قائمة على مستوى المحافظات، وذلك لأمر واضح شديد الوضوح بأن القائمة لا يستطيع النجاح فيها إلّا مرشح واحد فقط، وهذا ما حصل في التطبيق العملي في الانتخابات السابقة، وكل المرشحين الآخرين يعلمون مسبقاً أنهم حشوات لإكمال العدد، ولا أمل في النجاح، ولذلك فإن الفارق بين هذا القانون والقانون الذي قبله فيما يسمى بالصوت الواحد يكاد يؤول إلى العدم من حيث النتيجة، إلّا في حالة وجود (الكوتات) من مسيحيين وشيشان وشركس ومرأة في بعض الدوائر فقط وعلى سبيل الحصر، لأن القوائم النسبية تفرض هذه النتيجة بشكل حتمي لا جدال فيه.الأحزاب السياسية في مشروعها المطروح للنقاش لا تطرح (كوتا) للأحزاب كما ذهب بعض الكتاب، وإنما طرحت مشروعاً انتقالياً متدرجاً نحو نظام القائمة الحقيقية على مستوى الوطن، بحيث يتم نقل جمهور الناخبين رويداً من ثقافة العشيرة والمنطقة والانتماء الجهوي الضيق إلى ثقافة البرامج والتكتلات السياسية والتحالفات الحقيقية المتنافسة على قاعدة تشكيل فريق مؤهل لإدارة الحكومة وفق برنامج سياسي مطروح مسبقاً، واقتراح الأحزاب على وجه الدقة أن تكون القوائم تحت إشراف الأحزاب السياسية أو التحالفات وإدارتها، بحيث يتم نزول الشخصيات الوطنية المستقلة على القوائم التي تشكلها الأحزاب، ولا يشترط في المرشح أن يكون حزبياً.تشكيل البرلمان من مجموعات سياسية وحزبية مؤتلفة هي الطريق الوحيد للوصول إلى الحكومة البرلمانية، وهذا يقتضي بالضرورة تغيير القانون الحالي من أجل تحقيق هذا الهدف، وهذا ما يتم في جميع دول العالم التي تعتمد نظام الحكومات البرلمانية والأردن ليس بصدد صناعة العجلة من جديد.أحد المسؤولين يقول لا يجوز إجبار المواطنين على انتخاب الأحزاب من خلال القانون، وهنا يجدر القول أن القانون وجد للإلزام مثل كل القوانين الأخرى، فقانون الضريبة ليس اختيارياً، والقوانين التي تلزم الناس بالالتزام بقانون الشركات أو الجمعيات أو النوادي هي خير مثال على قانون الانتخابات الذي ينبغي أن يكون ملزماً للناس لتنظيم عملية الانتخاب عبر أطر قانونية معروفة قائمة على أسس برامجية، وينبغي الانتقال من ثقافة التجمعات القبلية التي لا يجوز تحويلها إلى أحزاب سياسية إلى ثقافة التجمع السياسي على الطروحات الفكرية والبرامج السياسية.وإيجاد الأحزاب السياسية ضرورة ملحة تفرضها المرحلة وتفرضها الديمقراطية، ومهمة كل رجال الدولة من أسفل الهرم إلى قمته السعي لبناء الأحزاب القوية القادرة على تحمل المسؤولية، لأنه لا يجوز أن يصل إلى مواقع المسؤولية في الدولة إلّا من خلال حزب يملك برنامجا ورؤية ومشروعا، ولا يجوز تشكيل الحكومة إلّا من خلال فريق حزبي سياسي قادر على تحمل المسؤولية.عندما يجد كثير من أصحاب الطموح طريقهم سالكة إلى مواقع في المسؤولية من خلال العلاقات الشخصية ومجموعة الأصدقاء، فلن يكون هناك حاجة إلى وجود أحزاب، فضلاً عن أحزاب قوية، بل إن الانتماء الحزبي قد يشكل عائقاً أمام تبوؤ أي موقع مسؤولية.